السلطان عبر بجيش كبير تلك المياه المهلكة، ولم يلحق به ولا بجيشه أي أذى من وعورة تلك الطّرق المخيفة. فقال: بهذا الحديث سيكون انفصالي عن ملكي القديم، ولن يكون بوسعي أن أفك عني هذا القيد مهما أحكمت التدبير؛ ما كان بوسع الشمس- وهي راكب وحيد- أن تجتاز من قبل هذا الجبل الوعر إلا بألف قائد ودليل، والآن يجتازه الملك كيقباد اجتياز الريح، فما أيسر عليه- بمدد الله وعونه- أن يحارب السّماء ويقارع الفلك، فما لنا سوى أن نتذرع بالصبر ونجلس على باب الانتظار لنرى ما يستخرجه الفلك من وراء الحجاب، فليس ثمّت علاج آخر.
وفي اليوم التالي رفعت الرّايات الصّفراء للملك- الذي طوى الأرض- على القبة اللازورديّة، فاسودّ العالم من غبار الجيش. ورغم أن الزّمان لم يكن بمقدوره أن يلقي نظرة غضب على ذلك المكان الموحش ولم يكن بوسع آذان الفلك أن تسمع أنّ بالإمكان فتحها ببذل المجهود، فأيّ أثر لسهام الفلك على قلعة يتحدث حرّاسها مباشرة مع كوكب عطارد؟! (شعر):
- ولكن حين يكشّر الحظّ المشئوم عن أنيابه، يجعل الحجر الصلد على شاكله الشمع.
أمر السلطان بأن يصعدوا الجبل فوجا فوجا، فاعتلوا تلك الصخور الصّلدة دفعة واحدة كأنهم عقبان طائرة أو نمور كاسرة، وعلى ذلك الجبل، الذي لم يكن للفكر أن يجد إلى ارتقائه سبيلا- بادرت فرقة بالقتال فأحاطت القلعة كالفرجار بمائة منجنيق ثقيل، واستمرّت الحرب شهرين «حتى عبر شهران/ كيوم واحد» (?). وذات ليلة رأى السلطان في المنام شخصا حسن السّمت أخذ