لما كانت أعلام دولة السلطان تعلو مع الزّمان على شواهق الإقبال وقلال الجلال بيمن الملك المتعال وعناية أعتاب ذي الجلال، وكانت بركات السماء تحلّ في الزّروع والضّروع بفضل حسن إشفاقة ومكارم أخلاقه، حتى وإن كان ما بين الزّجاجة والكأس من مدام وخمر- دما ظهر بينها من التصافي ما لا مزيد عليه، وبلغ المطربون في مجلسه الملكي الذي تتزايد فيه البهجة غاية البراعة من تواتر مداعبة الأنغام على الآلات الموسيقيّة،
قال السلطان يوما لندمائه- وكانوا بمنزلة الوزراء والمستشارين- يتعيّن علينا أن ندع الحفلات وما بها من بهجة وطرب ونبادر إلى إعداد العدّة للحرب، فينبغي أن يجعل لقوانين السلطنة مثل هذا الحق. فركع الأمراء الكبار أمام العرش تأدّبا وقالوا إن ملك اليونان خاضع لمليك العالم؛ وإن ثغر أنطالية وإن كان قد تيسّر فتحه، لكنّ [همّا عظيما وخوفا لاحدّ له ينشأ] (?) من جهة قلعة «كلونوروس» - التي تبدو السماء أمامها كالأرض الفسيحة المترامية، هي جبل بغير أمان، لها من البحر خندق ومن صخور الجرانيت حصار، قد تحكّمت من جانب البرّ على ملك «سيس»، بينما فرضت من جانب البحر خراجا ثقيلا على رقبة مصر/، وليس لمثل هذا الصّرح الهائل إلا المليك الذي هو ملجأ العالم. فلو صدر الأمر إلى الجيش المنصور، فالأمل أكيد في أن تصبح كلّ نملة تنّينا وكلّ صعوة عنقاء، وأن تدرج تلك القلعة- التي تبدو مساوية للسّماك مناطحة