ملوك الشام- يزعمون أنهم غلمان له، ويخطبون الخطبة ويسكّون السّكة باسمه:
رأوا طوعه حتما وفرضا ولازما ... وإخلاصه في الدّين والملك واجبا
كان يملك نفسا نضرة بوابل الطّهر، ويتّصف بعدل أنار العالم جملة كعين الشمس، وكان يطيل النّظر والتّدقيق في أموال الخزانة، ولا يحيد في إنفاق الخزائن إلى أي من طرفي: الإفراط والتّفريط، لكنّه كان في مراعاة شأن الأضياف ورسل الأطراف بحرا مواجا وسحابا ثجّاجا، وكان يبالغ في توجيه العتاب بل وإنزال العذاب لأتفه بادرة تحصل من أكبر القادة في الجيش، وكان يستأصل شجر وجودهم كأعجاز نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (?) من جذوره بفأس البأس والزّجر والتّوبيخ، ويجري عليهم حكم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ (?)، فلا جرم أن أصبح التطبّع طباعا مركوزة في الذات عند نوّاب الجهات/ وغدا أصحاب الدواوين يستشعرون الخوف ويصطنعون الأمانة.
روى الأمير الكبير «جلال الدين قراطاي» وكان قطب الأوتاد وقدوة الزهّاد:
«كنت ملازما للحضرة العليا ثمانية عشر عاما في السّفر والحضر ليلا ونهارا، فلم يتناه إلى علمي أن السلطان استراح على فراش النوم- سواء في حالة الصّحو أو السّكر- إلا قليلا، بل كان قد وضع نصب عينه أمر: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (?) وكان يعتبر ذلك سببا لرفع درجاته، ومع أنه كان يعدّ اتبّاع مذهب الإمام أبي