حين انتقل الملك الظّاهر- ملك حلب- إلى جوار الحقّ تعالى، كان ابنه- الملك العزيز- قريب العهد من مفارقة المهد، فاضطر أمراء تلك الدولة لمبايعته، وأجلسوه مكان أبيه، فصارت أمّه، وكانت أخت الملك الأشرف حاكمة البلاد، فنبض في السلطان/ عرق المطالبة بملك حلب- حيث كان في حوزة أعمامه من قبل- وقال لأعاظم مملكته: يبدو لنا أن الوهن قد ظهر الآن في ملك الملك الظّاهر فصار من يتصدّى لملك تلك الدّيار طفل وامرأة، فلو أننا قصدنا ولاية الشام بحشد كبير قبل أن يكوّنوا جيشا ويدبّروا أمرا فإن بيرقنا سوف يرفرف- بعون الحقّ- على شرفات تلك الديار، وتظهر الفسحة في رقعة البلاد.
قال الأمراء: جبلت طبيعة الملوك على دفع الأعداء وفتح البلاد، ولكن طالما أن السلطان أنعم علينا- نحن المماليك- برتبة الاستشارة، فلن يبخل علينا بالاستماع لمقالتنا؛ فلئن كان ذلك الولد- برغم صغر سنّه- قد أصبح عزيزا في ديار أبيه فإن آباءه وأجداده طالما أعربوا عن محبّتهم لهذه الأسرة [السلجوقية]، ولطالما أرسلوا الأحمال والتّحف مثلما أرسلوا العساكر وقت طلب المدد. والآن وقد بقي يتيما فلو أن أحدا قصده بسوء لاستعان بهذه الدّولة وطلب العون من هنا. فكيف إذا أرسل ملوك الأطراف يعزّون ويهّنئون وأكّدوا المثل القائل- «صداقة الآباء قرابة الأبناء» (?)، ثم جرى من جانبكم شحذ منجل القهر والبأس ليحصد بلاد ذلك الحلف؛ لن يقع ذلك موقع القبول عند كبار الملوك والسلاطين وعظماء الزمان.