يا هذه اسقني. فنظرت إليّ وقالت: أنا مشغولةٌ عنك. فقرعت قربوسي بمقرعتي موقّعاً بها على القربوس، وغنّيت. فلمّا سمعت ذلك منّي ملأت دلوها وبادرت به إليّ وقالت: اشرب يا عمّ فشربت، فقالت: بالله يا عم أين أهلك أحمل إليهم هذه القربة؟ فقلت: بين يدي. فمضت معي حتّى أتت المضرب فلمّا رأت الولدان والخدم ذعرت، فقلت لها: لا بأس عليك. وأخذت الماء وأمرت من وصله، فقال لي الغلمان: قد جاء رسول أمير المؤمنين مراراً فمضيت إليه، فقال لي: أين كنت؟ فأخبرته بخبر الجّارية، فأمر بطلبها، فأتي بها، فأمر بابتياعها من مولاها، وأعتقها، وقال لها: هل من تودّينه يودّك وتحبّينه يحبّك؟ قالت: نعم عبدٌ لآل فلان. فأمر بابتياعه وأعتقه ثمّ زوّجها إيّاه، وأمر لهما بمالٍ.
حجّ الرّشبد سنة إحدى عشرة من خلافته، فلمّا نزل بالكوفة، بعد قفوله من الحج، دعا إسماعيل بن صبيح فقال: إنّي أردت الليلة أن أطوف في محال الكوفة وقبائلها فتأهبّ لذلك، قلت: نعم. فلمّا مضى ثلث الليل قام وقمت معه، وركب حماراً وركبت أنا آخر، ومعي خادمٌ ومعه خادمٌ من خاصّة خدمه. فلم نزل نطوف المحال والقبائل حتّى انتهينا إلى النّخع فسمعنا كلاماً. فقال الرّشيد لأحد الخادمين: أدن من الباب وتعرّف ما هذا الكلام؟ فتطلّع من موضعٍ في الباب فرأى نسوةً يغزلن حول مصباحٍ وجاريةٍ منهنّ تنشد شعراً وتردّد أبياته وتتبّع كلّ بيتٍ برنةٍ وأنّةٍ، وتبدي زفرةً: وتفيض عبرةً، والنّسوان اللواتي معها يبكين لبكائها فحفظ الخادم من شعرها هذه الأبيات: