إن لم أقم بأمرك. فرجع إلى البصرة فأخذ جماعةً من أهله وما أحتاج إليه، وحمل معه الأعرابي، وسار إلى الجّارية فخطبها إلى الفتى، فزوّجه، وساق إليه خمسين ناقةً وأقام عندهم ثلاثة أيّامٍ نحر فيها ثلاثين جزوراً، ووهب للأعرابي وللجارية مثل ذلك، وانصرف إلى البصرة.
قال نفطويه: لمّا فرغ المهدي من بناء قصره ركب للنّظر إليه، فدخله فجأةً وأخرج من هناك من النّاس، فبقي رجلان خفيّان عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وهو دهش ممّا يفعل فقال له: ممّن أنت؟ قال: أنا أنا قال: ويلك: لا أدري! قال: لك حاجةً؟ قال: لا. قال أخرجوه أخرج الله نفسه فدفع في قفاه، فلمّا أخرج قال لبعض الغلمان: اتبعه من حيث لا يعلم حتّى يصل إلى منزله، فاسأله عن صنعته فإنّي أخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه ثمّ أتى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلبٍ جريءٍ، ولسانٍ طلقٍ، قال له: من أنت؟ قال: رجلٌ من أبناء رجال دعوتك. قال: فما جاء بك إلى ههنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، وأتمتّع بالنّظر إليه، وأكثر الدّعاء لأمير المؤمنين بطول البقاء ودوام العزّ، وهلاك الأعداء. قال: ألك حاجةً؟ قال: نعم، خطبت ابنة عمّي فردّني وقال: لا مال لك. وإنّي لها عاشقٌ، وبها وامقٌ، قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم قال: جعلني الله فداك، يا أمير المؤمنين، قد وصلت فأجزلت الصّلة، ومننت فأعظمت المنّة. فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيّامك خيراً من أوّلها، وأمتعك بما به أنعم عليك، وأمتع بك رعيّتك. فأمر أن تعجّل صلته ووجّه بغلامٍ آخر