وحدها فِي العرض من مدينة أسوان الَّتِي بأعلى نيل مصر وَمَا سامتها من أرض الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة إِلَى مدينة رشيد وَمَا حاذاها من مساقط النيل فِي البحر الرومي وَمَا اتصل بذلك ومسافته قريب من ثلاثين يوماً وَكَانَ أهل مصر فِي سالف الزمان صابئة تعبد الأصنام وتدبر الهياكل ثُمَّ تنصرت عند ظهور دين النصرانية وَلَمْ تزل عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن فتحها المسلمون فأسلم بعضهم وبقي سائرهم عَلَى دينهم أهل ذمة إِلَى اليوم وَكَانَ لقدماء أهل مصر الذين كانوا قبل الطوفان عناية بأنواع العلم وبحث عَلَى غوامض الحكم وكانوا يرون أنه كَانَ فِي عالم الكون والفساد قبل نوع الإنسان أنواع كثيرة من الحيوانات عَلَى صور غريبة وتراكيب شاذة ثُمَّ كَانَ نوع الإنسان تغلب عَلَى تِلْكَ الأنواع حَتَّى أفنى أكثرها وشرد بقيتها إِلَى القفار والفلوات فمنهم الغيلان والسعالى وأمثال ذَلِكَ وذلك مما ذكره عنهم الوصيفي فِي تاريخه المؤلف فِي أخبارهم وزعم جماعة من العلماء أن جميع العلوم الَّتِي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن هرمس الأول الساكن لصعيد مصر الأعلى وهو الَّذِي يسميه العبرانيون أخنوخ النبي بن يادر بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم هو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا تقدم ذكر فِي أول الكتاب وقالوا أه أول من تكلم فِي الجواهر العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل ومجد الله فِيهَا وأول من نظر فِي علم الطب وألف لأهل زمانه قصائد موزونة فِي الأشياء الأرضية والسماوية وقالوا أنه أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي فِي صعيد مصر الأعلى وصور فِيهَا جميع الصناعات والآلات ورسم فِيهَا صفات العلوم حرصاً منه عَلَى تخليدها لمن بعده خيفة أن يذهب رسمها من العالم والله أعلم.
وَكَانَ بمصر بعد الطوفان علماء بضروب الفلسفة من العلوم الرياضية والطبيعية والإلهية وخاصة علم الطلسمات والنيرانجيات والمرائي المحرقة والكيمياء وغير ذَلِكَ وَكَانَتْ دار العلم والملك بمصر فِي قديم الدهر مدينة منف وهي بالقبطية مافة وهي عَلَى اثني عشر ميلاً من الفسطاط فلما بنى الإسكندر مدينة الإسكندرية رغب الناس فِي عمارتها لحسن هوائها وطيب مائها فكانت دار الحكمة بمصر إِلَى أن تغلب عَلَيْهَا المسلمون واختط عمرو ابن