وسمع أن ابن أفلح قَدْ هجاه بقوله:
لنا طبيب يهودي حماقته ... إذَا تكلم تبدو من فِيهِ
يتيه والكلب أعلا منه منزلة ... كأنه بعد لَمْ يخرج من التيه
فلما سمع ذَلِكَ علم أنه لا يجل بالنعمة الَّتِي أنعمت عَلَيْهِ إِلاَّ بالإسلام فقوي عزمه عَلَى ذَلِكَ وتحقق أن لَهُ بناتاً كباراً وأنهن لا يدخلن معه فِي الإسلام وأنه متى كَانَ لا يرثنه فتضرع إِلَى خليفة وقته فِي الإنعام عَلَيْهِن بما لا يخلّفه وإن كن عَلَى دينهن فوقع لَهُ بذلك ولما تحققه اظهر إسلامه وجلس للتعليم والمعالجة وقصده الناس وعاش عيشة هنية وأخذ الناس عنه مما تعلمه جزأ متوفراً قال لي بعض أهل الفضل أن أَوْحد الزمان أبا البركات هَذَا كَانَ جالساً فِي مجلسه للإقراء وعليه ثوب أطلس مثمن أحمر اللون من خلع السلجوقي إذ دخل عَلَيْهِ رجل من أوساط أهل بغداد وشكا إِلَيْهِ سعالاً أدركه وَقَدْ طالت مدته وَلَمْ ينجح فِيهِ دواء فأمره بالقعود فقال لَهُ إذا سعلت وقطعت شيئاً فلا تنقله حَتَّى أقول لَكَ مَا تصنع فقعد ساعة وقطع فاستدعاه إِلَيْهِ وادخل يده فِي كم ذَلِكَ الثوب الأطلس وقال لَهُ اتفل فِيهِ فتوقف خشية عَلَى موضع يده من الثوب فانتهزه فتفل وضم أوحد الزمان يده عَلَى مَا فِيهَا من الثوب والتفلة وأخذ قيماً من استفهام وإفهام ساعة ثُمَّ فتح يده ونظر الثوب وموضع التفلة منه ساعة يقلبه ويتأمله ثُمَّ قال لبعض الحاضرين اقطع من هَذِهِ الشجرة نارنجة وأحضرها وَكَانَ فِي داره شجره تاريخ حاملة ففعل الرجل المأمور ذَلِكَ فلما أحضر النارنجة قال للرجل الشاكي كل هَذِهِ فقال لَهُ أَيُّهَا الحكيم متى أكلته مت فقال إن أردت العافية فقد وصفتها لَكَ فشرع الرجل وأكل منها إِلَى أن استنفدها فقال لَهُ امض وانظر مَا يكون فِي ليلتك فمضى الرجل ولما كَانَ فِي اليوم الثاني حضر وهو متألم فقال مَا جرى لَكَ قال مَا نمت لكثرة مَا نالني من السعال فقال لأحد الجماعة أحضر لي نارنجة من تِلْكَ الشجرة فأحضره إياها فقال للشاكي كلها أيضاً فقال إذَا أكلتها مَا يبقى فِي الموت شك فقال كلها فهي الدواء فأكل الرجل ومضى فلما كَانَ فِي اليوم الثالث جاء فسأله عن حاله فقال بت خير مبيت وَلَمْ أسعل فقال لَهُ برئت ولله الحمد وإياك وأكل النارنج بعدها إِن تأكل بعدها نارنجة أخرى