لكنهم إذ فطنوا إلى الامر، لم يجدوا جزاءا لهذا المستشرق - الذي أحب العلم، وضحى بوقته وراحته ولذاته في سبيله، واستمات في تحصيل فكرة قد يصل نفعها إلى جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها - إلا القتل، فذهب ضحية إحالات المسعودي، والبحث عن كتبه! وهذا الذي فعله المستشرق بعض ما يجب نحو كتاب " أخبار الزمان، لان المسعودي أفرط في تقريظه والثناء عليه، وقال إنه أوعى كتاب وأجمعه في التاريخ.
ولندع المسعودي يحدثنا عنه قال " أما بعد فانا صنفنا كتابنا في أخبار الزمان وقد قطعنا القول فيه على هيئة الارض ومدنها، وعجائبها وبحارها وأغوارها، وجبالها وأنهارها وبدائع معادنها، وأصناف مناهلها وأخبار
غياضها وجزائر البحار والبحيرات الصغار، وأخبار الابنية المعظمة والمساكن المشرفة، وذكر شأن المبدأ وأصل النسل وتباين الاوطان، وما كان نهرا فصار بحرا، وما كان بحرا فصار نهرا، وما كان برا فصار بحرا على مرور الايام وكرور الدهور، وعلة ذلك وسببه الفلكي، وانقسام الاقاليم بخواص الكواكب ومعاطف الاوتاد ومقادير النواحي والآفاق، وتباين الناس في التاريخ القديم، واختلافهم في بدئه وأوليته من الهند وأصناف الملحدين، وما ورد في ذلك عن الشرعيين وما نطقت به الكتب وورد على الديانيين.
ثم أتبعنا ذلك بأخبار الملوك الغابرة والامم الدائرة والقرون الخالية والطوائف البائدة على ممر سيرهم وأوقاتهم، وتضيف أعصارهم من الملوك والفراعنة العادية والاكاسرة واليونانية، وما ظهر من حكمهم ومقائل فلاسفتهم وأخبار ملوكهم وأخبار العناصر إلى ما في تضاعيف ذلك من أخبار الانبياء إلى أن أفضى الله بكرامته وشرف برسالته محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم.