فَأَسْلَمَ اللهُ إِمَامَ الْهُدَى ... فَمَا عَطَاءُ الدَّهْرِ بِالنَّحْسِ
كُلُّ الْوَرَى أَنْتَ وَكُلٌّ يُرَى ... عَبْدَكَ مِنْ عالٍ ومِنْ نِكْسِ
بَقَاؤُكَ الْفَوْزُ لَنَا وَالْغِنَى ... نُصْبِحُ فِيهِ مِثْلَ ما نُمَسْي
شَوىً صُرُوفُ الدَّهْرَ مَا لَمْ تُصِبْ ... فِي الرَّطْبِ إِنْ عَاثَتْ وفِي اليَبْسِ
مَنْ تاجَرَ الدَّهْرَ بِلاَ صَرْفِهِ ... فَصَارَ مِنْ رِبْحٍ إلَى وَكْسِ
فَأَسْلَمَ الكُلَّ فَلاَ بَأْسَ أَنْ ... يُرْزَأَ في السُّدْس وفي الخُمْسِ
إِن غَيَّبَ الْبَدْرَ كُسُوفٌ فَقَدْ ... لاَحَتْ بِسَعْدٍ غُرَّةُ الشَّمْسِ
مَا طَالِعُ الأُمَّةِ يَا سَيِّدِي ... إِذَا خَطَاكَ الْخَطْبُ بِالْبَخْسِ
فما فرغت من الإنشاد حتى بكا بكاء شديداً، ثم قال لي أنت كنت حديثتني أن المأمون قال لمحمد بن عباد المهلبي لما مات أخوه أبو عيسى، وكان أحب الناس إليه: يا محمد حال القدر دون الوطر. قلت له قد كان ذاك، فقال والله ما كان المأمون لأبي عيسى بأشد حباً مني لهارون ولا أَصح نية فيما روى عنه. ودفن هارون في داره بقرب الجسر، وحضره يومه الوزير والقواد، وكل نزع سيفه ومنطقه إلى أن دفن بعد العصر وانصرفوا فقال بعد ذلك: لولا أني لا أدرك ثأري لقتلت بختيشوع الطبيب، سقى أخي هارون درهم سقمونيا حتى قتله ورمى بكل ما في جوفه! وإن كان المشئوم ما تعمد ذلك، ولكنه أعمى القلب،