وكان ابن أبي الساج في هذا الوقت بواسط عازماً على لقاء القرامطة، وكنت أنفذت إليه رسالة طويلة في كتاب عملته له أوصيته فيه بالمطاولة، وهي رسالة حسنة - قد سرقها الناس مني - تجمع ضروبا من العلوم فجاءني جوابه مع كاتب له يعرف بابن حراشة، وفي آخر الكتاب.
وقد بلغني خبرك وقول من قال لا نريد أن يكون أولادنا علماء وإنا لله على ما بلى الناس به، وأفزعني ذلك وخفت أن يظن أني المبدي لهذا، والمتكلم به فصرت إلى نصر الحاجب فعرفته ذلك، فقال إن لابن أبي الساج خدماً في الدار، لا يخفون عنه الأنفاس، وهذا فإنما علمه من جهتهم، فسكنت نفسي إلى ذلك وانقطعت عنهم، وكان لهم بعدي هنة سر لحجبتهم لها كل أحد، وكان ثم قوم قد نفسوا على موضعي منهم. وكان الراضي وعدني بفص كنت استحسنته فكتبت إليه بقصيدة أسأله فيها التوجيه إلى بالفص، فكتب إلي إنما أتفرخ بما يرد على من جهتك، فاكتب إلي بشعر صادي قافيته الفص فعملت القصيدة وكتبت بها إليه وهي:
أَلا قُلْ لَخِيْرِ النَّاسِ نَفْساً وَوَالِداً وَرَهْطاً وَأجْدَاداً مَقَالَةَ مُخْتَصِّ
مَحمَّدٍ الْمَأْمُولِ وَالْمُقْتَدَي بهِ الْأَمِيرِ أبي الْعَبَّاسِ ذِي الْفَضْلِ النَّقْصِ
وَمَنْ جَمَعَ الآدَابَ بَعْدَ افْتِراقَهِا وَثَقَّفَهَا بِالْبَحْثِ مِنْهُ وبِالْفَحْصِ