وغضب الراضي على جليسه محمد بن عبد الله بن حمدون أبي جعفر واتهمه بكلام بعض خدمه، وما كان لذلك أصل كما ظنه. وأمر ألا يوصل إليه فاختلت نوبتنا وكنا أربعة به فبقي إسحاق بن المعتمد والعروضي وأنا. ثم حدثنا بأنه فعل به ذلك لاتهامه إياه بتعريف ابن رايق ما يجري في مجلسه بسبب الجارية المشتراة منهم، وأنها سبب الوصلة بينهم، وكان يبلغه أن ابن حمدون يعاشر ابن رايق إذا خرجت نوبته.
وكان انحراف الراضي عن ابن رايق في هذا الوقت يتبين في طرفه وقوالب لفظه، ثم صرح بذلك لي وللعروضي من بين الناس، فكنا نعتذر لابن حمدون من أمر الخادم الذي كان هو أعلم ببطلانه ثم نحلف له أنه مثلنا في جميع أموره مأمون السر والعلانية. إلى أن وثق بذلك، وتقرر عنده. وكان ابن رايق قد كلم الراضي في الرضا عنه فلم يجبه، وكتب ابن حمدن إلى الراضي بأبيات يعتذر فيها وهي:
أَطَارَ الكَرَى عَنْ مُقْلَتَيَّ التَّعَتُّبُوَجَمْجَمْتُ مَا أَلْقَاهُ وَالْحُزْنُ يَعْزُبُ
وَحُمِّلْتُ مَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَاجَوىً غَيْرَ ما يُدْعَى لَهُ الْمُتَطَلِّبِ
وَيُوشِكُ أَنْ يَدْعُو بيوْمِ مَنِيَّتِي ... سَرِيعاً إِلَى الأَعْدَاءِ نَاعٍ مُطَرِّبُ
وَقَدْ عَلِمَ اللهُ: الَّذِي دُونَ عِلْمِهِعُلُومُ الْعِبَادِ فَهُوَ أَعْلَى وأَغْلَبُ