السجن كان ذا هيئة، فرغب فيه أولئك النفر المحبوسون من الشيعة، فأنزلوه معهم في البيت الّذي هم فيه. وكان عيسى بن معقل قبل أن يشخص إلى يوسف بن عمر قد جعل أبا مسلم وكيلا على قرية من قراه، فلمّا فرغ أبو مسلم من رفع غلاله حمل أذكاره وما اجتمع [124 ب] عنده من المال، ولحق بعيسى بن معقل، فسرّ بقدومه، ونزل دار عيسى في بني عجل [1] ، وكان أبو مسلم ومولى لعيسى، كان وكيله في داره في بني عجل، يحملان طعام عيسى وشرابه من داره في كل يوم إلى السجن، ثم يخرج أبو مسلم فيقعد في السرّاجين عند دار الوليد بن عقبة التي فيها القصّارون، وكان جليسه منهم موسى بن يزيد وعثمان بن عيسى. وكان أبو مسلم يختلف إلى عيسى بن معقل وهو في السجن، يسمع كلام الشيعة الذين في السجن، فأحبه وهويه ووقع في خلده، فكان يخاتل عيسى بن معقل فإذا رآه جالسا في جانب السجن يتحدث عند قوم آخرين دخل أبو مسلم إلى أولئك الشيعة فتحدث معهم، فلمّا رأوا حبّه لأمرهم وحرصه على كلامهم أطلعوه على رأيهم ودعوه إليه، فقبله ورسخ فيه بصيرته حتى أفضوا إليه أسرارهم ووثقوا به لما رأوا من عقله وظرفه وأدبه. فكان عيسى بن معقل رجلا سخيّا صاحب طعام، فبلغ يوسف بن عمر حاله وما يتكلف من السخاء، فبعث إليه فضربه بالسياط حتى قتله. فادّعى أبو مسلم أنّ عيسى كان قد دبّره [2] فصار مع رجل من السرّاجين يكنى أبا إسحاق فنفذ في مدة يسيرة في [3] عمله فكان يكون بالليل عند الشيعة في السجن وبالنهار عند أبي إسحاق، ورأى منه أبو إسحاق أمانة وغناء [125 أ] فائتمنه على بيع متاعه، ووجّهه إلى البلدان بتجارته. ثم