قال: لمّا مات عبد الله بن عباس، وقد أوصى إلى عليّ ابنه أن يلحق بعبد الملك بن مروان بالشام حفظ وصيّته، فشخص بعد موته إلى الشام، فقدم على عبد الملك، وقد استوسق له الشام، فأكرمه وأجلسه معه على سريره، وقوى بمكانه على ابن الزبير، وقال لوجوه أهل الشام: هذا ابن عمّ محمد صلّى الله عليه وسلّم قد أتاني عارفا بأنّي أولى بالأمر من ابن الزبير [1] ، فزاد ذلك في بصائرهم. وقال له عبد الملك: ارتد منزلا تضمّ فيه أهلك وخاصّتك. فبلغنا أنّ عليّا قال له: أحبّ المنازل إليّ أخلاها وأبعدها من العوامّ، فإنّي متى أقمت معك بدمشق لم آمن أن يلقاك بعض أهل الشام فيقول: قال عليّ، ولقي عليّ، وعرّضني لتهمتك. فقال له عبد الملك:
وصلتك رحم، ما أنت بمتّهم، والبلقاء منزل صدق تضم فيه أهلك وحشمك وتقيم عندي ما أحببت، وتأتيني إذا شئت، ولست تبعد عنّي، ولا ينساك ذكري، ولا يبعد عنك خبر من بالحجاز من أهل بيتك. فنزل بالشراة من البلقاء ونزل من الشراة الحميمة. ولم يزل عبد الملك له مكرّما معظّما، يجلسه معه على سريره إذا دخل ويحادثه ويسامره. وقد بلغنا أنّه بينا هو [69 ب] ذات يوم جالس معه إذ فاخره عبد الملك فجعل يذكر أيّام بني أميّة، فبينا هو كذلك إذ نادى المؤذّن بالأذان فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، فقال عليّ لعبد الملك:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا