ثم اتبع إبليس في الغفلة والحمق قابيل فإن من أعظم التغفيل قوله لمن قبله قربانه " لأقتلنك "، وهذا من أسمج الأشياء، لأنه لو فهم لنظر سبب قبول قربان أخيه ورد قربانه، ثم من التغفيل أنه حمل على ظهره ولم يهتد لدفنه.
ومثل هذا التغفيل " حرقوه وانصروا آلهتكم " ومثله " أن امشوا واصبروا على آلهتكم " ومن جنسه " أنا أحيي وأميت ".
ومثله " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ". فافتخر بساقية لا هو أجراها ولا يدري منتهاها ولا مبتداها، ونسي أمثالها مما ليس تحت حكمه، وليس في الحمق أعظم من ادعاء فرعون أنه الإله.
قد ضرب الحكماء له مثلاً فقالوا: أدخل إبليس على فرعون فقال: من أنت؟ قال: إبليس، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أنظر إليك فأعجب من جنونك، قال: وكيف؟ قال: أنا عاديت مخلوقاً مثلي، وامتنعت من السجود له، فطردت ولعنت، وأنت تدعي أنك أنت الإله! هذا والله الجنون البارد.
ومن أعجب التغفيل اتخاذ الأصنام آلهة، فالإله ينبغي أن يفعل لا أن يفعل. ومن التغفيل بنيان نمرود الصرح ثم رميه بنشابه ليقتل بزعمه إله السماء، أتراه لو كان خصمه في مكان فرأى قوساً موتورة إلى جهته، أما كان يمكنه أن ينزوي عنها!
ومن أعظم التغفيل ما جرى لإخوة يوسف في قولهم " أكله الذئب "