أَجْزِلْ له الحظَّينِ مِنَكَ وكُنْ له ... رُكْناً عَلَى الأيَّامِ ليسَ بِوَاهِي
بِوِلايتيْنِ ولاَيَةٍ مَشْهورةٍ ... في كُورَةٍ ووِلايةٍ بالَجْاهِ
هُوَ في الغِنَى غَرْسِي، وَغَرسُكَ في العُلا ... أَنَّي أردتَ، وأنتَ غَرْسُ اللهِ
حدثني أحمد بن إسماعيل قال، حدثني أبو سهل الرازي قال: لما ولي محمد بن طاهرٍ خراسان، دخل الناس لتهنئته، فكان فيهم تمام بن أبي تمام الطائي فأنشده:
هنَّاكَ رَبُّ الناسِ هَنَّاكا ... ما مِنْ جزَيلِ المُلْكِ أعْطَاكاَ
قَرَّتْ بِما أُعطيِتَ يا ذَا الحِجَي ... والبَاسِ والإنْعامِ عَيْناكاَ
أَشْرقَتِ الأَرضُ بِما نِلتَهُ ... وَأَوْرقَ العُودُ لِنَجْواكاَ
فاستضعفت الجماعة شعره وقالوا: يا بعد ما بينه وبين أبيه! فقال محمد لعبد الله بن إسحاق، وكان يعرفه الناس وهو على أمره: قل لبعض شعرائنا: أجبه، فغمز رجلا في المجلس، فأقبل على تمامٍ فقال:
حيَّاكَ ربُّ الناسِ حيَّاكا ... إِنَّ الذي أمَّلْتَ أخْطاكا
مَدحْتَ خِرْقاً مُنْهباً مالَهُ ... ولَوْ رأى مدْحاً لَواسَاكا
فهاك إِنْ شِئْتَ بها مِدْحَةً ... مِثلَ الذي أَعْطَيْتَ أعْطَاكا
فقال تمام: أعز الله الأمير، إن الشعر بالشعر رباً، فاجعل بينهما رضخاً من دراهم حتى يحل لي ولك! فضحك محمد وقال: إن لم يكن معه شعر أبيه، فمعه ظرف أبيه، أعطوه ثلاثة آلاف درهم، فقال عبد الله بن إسحاق: ولقول أبيه في الأمير عبد الله بن طاهرٍ:
أَمَطْلِعَ الشَّمسِ تَنْوِي أنْ تَؤُمَّ بنا؟ ... فقُلتُ: كلاَّ، ولكنْ مطْلِعَ الجُودِ
ثلاث آلافٍ أخرى، قال: ويعطي ذلك.
حدثني أبو جعفر أحمد بن يزيد المهلبي قال، حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه - وكان ابن مهرويه هذا يسمع معنا من المغيرة بن محمد المهلبي وغيره بالبصرة، ولم أسمع منه شيئاً عن الحمدوي - قال: سمعت أبا تمامٍ يقول: أنا كقولي:
نَقِّلْ فُؤادَكَ حيثُ شِئْتَ مِن الهَوَى ... ما الحبُّ إلاّ للحبيبِ الأَولِ
كم مَنْزلٍ في الأرضِ يألَفُهُ الفَتَى ... وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنْزِلِ
وحكى محمد بن داود هذا الشعر في كتابه وقال: أخذه من قول ابن الطثرية:
أَتانِي هَوَاها قبلَ أنْ أعرِفَ الهَوى ... فصادَفَ قلباً فارِغاً فتَمَكَّنَا
وهو عندي بقول كثيرٍ أشبه، ومنه أخذه:
إذا وصَلَتْنَا خُلَّةٌ لِتُزِيِلَها ... أَبَيْنَا وقُلْنَا: الحَاجِبِيَّةُ أوَّلُ
وهو يتعلق أيضاً بما قاله من جهةٍ: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال، حدثنا أبي قال: أنشدت يوماً لجرير:
وما زَالَ معْقُولاً عِقَالٌ عَن النَّدى ... وما زَالَ مَحبُوساً عَنِ الخَيْرِ حَابِسُ
حكى محمد بن داود أن أبا عبد الله أحمد بن محمد الخثعمي الكوفي قال لأبي تمامٍ وقد اجتمعا فقام أبو تمام إلى الخلاء: أتدخلك؟ فقال: نعم، لا نحملك.
حدثني أحمد بن موسى قال: أخبرني أبو الغمر الأنصاري عن عمرو بن أبي قطيفة قال: رأيت أبا تمام في النوم فقلت له: لم ابتدأت بقولك:
كَذَا فَلْيجِلَّ الخطْبُ وليَفْدَحِ الأَمْرُ
فقال لي: ترك الناس بيتاً قبل هذا، إنما قلت:
حَرامٌ لَعْينٍ أنْ تَجِفَّ لَهَا شُفرُوَأَنْ تَطْعَم التَّغْميِضَ مَا أَمْتَعَ الدهرُ
كذا فليجل ...
حدثني علي بن الحسن الكاتب قال: الذي يقول فيه أبو تمام:
يَاسَمٍيَّ النبِيِّ في سُورَةِ الجنِّ ... ويا ثانيَ العزيزِ بِمْصرِ
هو عبد الله بن يزيد بن المهلب الطرهباني، من أهل الأنبار، كاتب أبي سعيد الثغري، ثم كتب بعده لابنه يوسف.
حدثني ابن المتوكل القنطري قال: دخل أبو تمام إلى نصر بن منصور، فأنشده مدحاً له، فلما بلغ إلى قوله:
أَسَائِلَ نَصْرٍ، لاَ تَسَلْهُ، فَإنَّهُ ... أَحَنُّ إلى الإِرْفَادِ مِنْكَ إلى الرِّفْدِ