يا قَوْمِ أُذْنِي لِبَعْضِ الحيِّ عَاشِقَةٌوالأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيَانا

قَالُوا: بِمَنْ لاَ تَرَى تَهْذِي؟ فَقُلتُ لَهُمْ: الأُذْنُ كاَلْعَيْنِ تُوفي القَلبَ مَا كانَا

حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال: مات ابنان صغيران لعبد الله بن طاهر في يومٍ واحد، فدخل عليه أبو تمامٍ فأنشده:

ما زَالَتِ الأيَّامُ تُخبرُ سَائِلاَ ... أَنْ سَوْفَ تَفْجَعُ مُسْهِلاً أو عَاقِلاَ

فلما بلغ إلى قوله:

مجدٌ تأَوَّبَ طَارِقاً حتَّى إذَا ... قُلنَا أَقَامَ الدهْرَ أصبحَ راحِلاَ

نَجْمانِ شاءَ اللهُ أَلاَّ يَطْلُعَا ... إلاَّ ارْتِدَادَ الطَّرْفِ حتَّى يأْفِلاَ

إِنّ الفجيعَةَ بالرِّياضِ نَوَاضِراً ... لأَجَلُّ مِنْها بالرِّيَاضِ ذَوَابِلاَ

لَوْ يَنْشَآنِ لكانَ هذا غارباً ... لِلْمَكْرُمَاتِ وكانَ هذا كاهِلاَ

كذا أنشده، وكذا ينشده الناس، والذي أقرأنيه أبو مالك عون بن محمد الكندي، وقال: قرأته على أبي تمام - لو يُنْسآنِ - أي: لو يؤخران، وهو الأجود عندي.

لَهْفَى عَلَى تِلْكَ المخَائِلِ فيِهمَا ... لو أُمْهِلَتْ حتَّى تكونَ شَمائِلاَ

لَغَدَا سُكُونُهمُاَ حِجًى وَصِبَاهُما ... كَرَماً وتِلْكَ الأرْيحيَّةُ نائِلاَ

إن الهِلاَلَ إذَا رأيتَ نُمُوَّهُ ... أَيْقَنتَ أَنْ سَيَصيرُ بدْراً كامِلاَ

كذا أنشد والصحيح - وصباهما حلما - وهو أجود من جهات، واحدةٍ: لأن - نائلاً - قد ناب عن الكرم، فيجئُ بالحلم ليجمع أصناف المدح. والأخرى: أن الحلم أحسن جواراً للحجي وهو العقل من الكرم. والأخرى: أنه جعل سكونهما حجيً أي عقلاً، وأريحيتهما نائلاً، فيجب أن يكون الصبا حلماً، حتى لا يكون تلك الفعلة إلا الحلم.

وإن أنصف من يقرأ هذا وأشباهه من تفسيرنا، علم أن أحداً لم يستقل بمثله، ولا علم حقيقة الكلام كما علمناه، إلا أن يتعلمه من هذه الجهة متعلم ذكي فهم فيبلغ فيه. وهذا دليل على حذق أبي تمام، وجهل الناس في الرواية، وهذا داءٌ قديمٌ. قال جرير لبعض الرواة: أسألك بالله من أشعر عندك: أنا أو الفرزدق؟ فقال: والله لأصدقك، أما عند خواص الناس وعلمائهم فهو أشعر منك، وأما عند عامة الناس ودهمائهم فإنك أشعر. فقال: غلبته ورب الكعبة وتقدمته، متى يقع الخاص من العام؟.

قال: فلما سمع هذا عبد الله، وكان يتعنته كثيراً، قال: قد أحسنت ولكنك تؤسفني وليس تعزيني، فلما قال:

قُل للأميِر وإنْ لَقيتَ مُوَقَّراً ... مِنْه برَيْبِ الحادِثاتِ حُلاَحِلاَ

إنْ تُرْزَ فيِ طَرَفَيْ نَهَارٍ واحدٍ ... رُزْءَيْنِ هاجَا لَوْعَةً وَبَلاَبِلاَ

فالثَّقْلُ لَيْسَ مُضَاعَفاً لِمطيَّةٍ ... إِلاّ إذا مَا كانَ وَهْماً بازِلاَ

شَمَخَتْ خِلاَلُكَ أَنْ يُؤَسِّيَكَ امْرُؤٌأَوْ أَنْ تُذَكَّرَ نَاسِياً أَوْ غَافِلاَ

إلاَّ مَوَاعِظَ قَادَهَا لَكَ سَمْحَةً ... إِسْجَاحُ لُبِّكَ سَامِعاً أَوْ قاَئِلاَ

قال: الآن عزيت، وأمر فكتبت القصيدة ووصله.

وهذا فإنما احتذى به أبو تمام قول الفرزدق، وقد ماتت له جارية نفساء، فوجد في بطنها صبي ميت:

وَجفْنِ سِلاَحٍ قد رُزِئْتُ فلمْ أَنُحْ ... عَليِه ولم أبْعَثْ عليهِ البَواكِيا

وفي جَوْفهِ من دَارِمٍ ذُو حفيِظةٍ ... لَو أنّ المنَايا أَنْسَأَتهُ لَياليَا!

وليس كلام أحسن من قوله: - وجفن سلاح قد رزئت - وتشبيهه هذا.

حدثني أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد قال: سمعت أبا علي الحسين يقول: ما كان أحد أشعف بشعر أبي تمام من إسحاق بن إبراهيم المصعبي، وكان يعطيه عطاءً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015