إنما سميّ الناس الطيب الغالية والساهرية والعبير ببنات عبد من بني عبد الله ابن صخر بن نافع بن سلف بن يقظان من أهل اليمن من العرب العاربة، وكانت له ثلاث بنات يقال لهن: الغالية والساهرية والعبير، اجتمعن فسحقن مسكا وعنبرا وعودا فخلط الغالية بالبان فقيل: هذا طيب الغالية، وخلطته الساهرية بالزئبق فقيل: هذا طيب الساهرية، وخلطته العبير بماء الورد فقيل: هذا طيب العبير. هكذا روى لنا هذا الخبر. وأما أهل اللغة فيختلفون، فالأصمعي يزعم إن العبير: الزعفران ويحتج بقول الأعشى: المتقارب
وتَبْرُدُ بَرْدَ رِداءِ العَرو ... سِ في الصيفِ رَقرَْقتَ فيهِ العَبيرا
وغير الأصمعي يزعم إن العبير أخلاط تجمع بالزعفران، ففرق بين العبير والزعفران. والتومة: حبة تعمل من الفضة كالدرّة.
أنشدنا اليزيدي لعمه: السريع
قد ضقت ذرعا بك مستصلحا ... وأنت مزوّر عن الواجب
من لي بأن نفعل حتى ترى ... كم لك في العالم من غائب
وأنشدنا له أيضا: الكامل
قد كان بعداً صادق يختصم ... بالود يبذل ودّه لا معاد
حتى مضى وعدوّه وصديقه ... سياّن في مقة له ووداد
اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال: كان ابن الأعرابي يطعن على أبي نواس ويضع من شعره فحضر في مجلس فيه بعض رواة أبي نواس فانشده لأبي نواس: الكامل.
رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفىّ عليه بكا عليك طويل
يا ناظرا ما أقلعت لحظاته ... حتى تشحطّ بينهن قتيل
فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله جود وبلغ النهاية فقال: الذي يقول: الطويل
ضعيفة كر الطرف تحنث أنها ... قريبة عهد بالأفاقة من سقم
وإني لآتي الأمر من حيث يتقي ... وتعلم قوسي حين انزع من أرمي
فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله أخذني عليه الرفض قال: هذا الذي يقول: البسيط
ركب تساقوا على الأكواب بينهم ... كأس السرى فانتشى المسقي والساقي
كأن اروسهم والنوم واصفها ... على المناكب لم توضع بأعناق
خاضوا إليكم بحار الشوق آونة ... حتى أنخن إليكم قبل إشراق
من كل واضحة التسمين آمنة ... مشتاقة حملت أثقال مشتاق
فقال له: ويحك. لمن هذا؟ فقد والله ظرف كل الطرف. قال: لست أقوله لك أو تكتب الأبيات. فلما كتبها قلت: هذا الذي تنتقص منه وتطعن في شعره أبي نواس. قال: يا ابن أخي اكتم عليّ فلست بعائد والله أبدا.
أنشدنا الأخفش عن ثعلب لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي: الخفيف
سألتاني الطلاقَ إذَ رأَتاني ... قل مالي، قد جئتماني بنُكْر
ويْكَأن من يكن له محبُّ يُجِيبُ ... ومن يفتقر يعش عيش ضرّ
اعلم إن عمى وكاد وكرب وجعل وأخذ هي لمقاربة الفعل، فأمّا عسى فإنها. نستعمل بأن وسائر أخواتها تستعمل بغير إن كقولك: عسى زيد إن يقوم، وعسى عمرو إن يركب، فموضع إن نصب، والتقدير: قارب زيد الانطلاق، فإن مع الفعل بتأويل المصدر كأنك قلت: عسى زيد القيام، ولو قلت: عسى زيد القيام لم يجز وإنما يجوز إذا ذكرت إن، وإن كان المعنى معنى المصدر. والعلةّ في امتناع ذلك إنك إذا أنكرت إن مع الفعل فقد دلّلت على الاستقبال لا على المعنى، فلذلك لم يجز استعمال المصدر مع عسى ولا اسم الفاعل، إلا إنه قد جاء في مثل واحد للعرب وهو قولهم: منهوك الرجز
عسى الغوير أبؤسا