مزججا كمه في مشية عبثا ... لا يتقي في دمه غيظا ولا حنقا
أدار في خده صدغا يزرفنه ... وقد كسبا جيبه من شعره حلقا
قوله عز وجل: (ثم لننزعّن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيّا) فيها ستة أقوال، ثلاثة للبصربين وثلاثة للكوفيين، قال سيبويه: أيهم ههنا بتأويل، الذي وهو في موضع نصب بوقوع النزع عليه ولكنه بني على الضم لأنه وصل باسم واحد، ولو وصل بجملة لأعرب، وأشد خبر ابتداء مضمر تقديره هو أشد، وعتيا منصوب على التمييز ولو أظهر المبتدأ لنصب أي فقيل: لننزعن من كل شيعة أيهّم هو أشد. وقال الخليل: هذا على الحكاية كأنه قيل لهم لننزعن من كل شيعة الذي يقال أنهم أشد فقال سيبويه هذا غلط وألزمه أن يجيز لأظربن الفاسق الخبيث بالرفع على تقدير لأضربن الذي يقال له هو الخبيث. وقال يونس: الفعل ملغى وأي مرفوع بالابتداء وأشد خبره كما يقال عملت أيهم عندك. قال سيبويه: وهذا أيضا غلط لأنه لا يجوز أن يلغى إلا أفعال الشك واليقين نحو ظننت وعلمت وبابهما. وهو كما قال. وقال الفراء: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد. أي لننزعن بالنداء فينادي بهم إليهم أشد، وله قول في هذا وهو أنه قال: يجوز أن يكون القول واقعا على موضع من أشد. وله فيه قول ثالث، قال: يجوز أن يكون معناه ثم لننزعن من اللذين تشايعوا فتنضروا بالتشايع أيهم أشد، فتكون أي في صلة التشايع. قال أبو القاسم: وأجود هذه الأقوال في هذا قول سيبويه، والقول الآخر من قول الفراء الذي ختمنا به المسألة.
اعلم أن الذي، ومن، وما، وأيا، والألف واللام أسماء ناقصة في الخبر لا تتم إلا بصلة وعائد وعلى غير معرفة إلا أيا وحدها فإنها معربة، وإنما لم تعرب هذه الأسماء لأنها ناقصة لا تكمل إلا بصلة وعائد فصارت كبعض حروف الاسم، وأبعاض الحروف لا تستحق الأعراب وإنما يستحق الاسم الأعراب بكامله، وأيضا فلما صارت مبهمات ضارعت بإبهامها حروف. المعاني الدالّة على ما وضعت لدلالة مشاعة فلما ضارعت هذا الأسماء الحروف لم تعرب لمضارعتها ما لا يعرب مثله، فإذا ثنيّت الذي وحدها أعربتها فقلت: اللذان في الدار أخواك، ومررت باللذين عندك، وإنما أعربت في التثنية لأنها فارقت حروف المعاني لأن حروف المعاني لا تثنى ولا تجمع ولذلك صارت الأسماء المبنيات كلها ما جاز منها فيه التثنية معربة إذا ثنيت، فإذا جمعت الذي في القرب من يوقعه بلفظ الواحد على الجميع ولا يعربه فيقول: الذي في الدار الزيدون، قال الله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) وقال: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) . ومنهم من جعله بلفظ الجميع ولا يعربه فيقول: رأيت الذي عندك، وجاءني الذي عندك، ويقول هو جمع على حد التثنية فصار كأنه اسم واحد واقع على الجميع فلذلك لم يعرب. ومنهم من يعربه ويجعله جمعا سالما فيقول: جاءني الذون عندك، ومررت بالذين عندك، ورأيت الذي عندك، قال الشاعر في هذه اللغة: الكامل
وبنو نويجية الذين كأنهم ... معط مخرّمة من الخزّان
فأن قيل: لم أعربت؟ أي في الخبر وهي اسم ناقص يحتاج إلى صلة وعائد كما تحتاج إليه الذي واخواتها ولم تعرب الذي وأخواتها؟ فالجواب في ذلك: إن أيا اسم تمكن بالإضافة فأعرب لأنه لا يعقل معناه إلا بما يضاف إليه فما أضيف إليه أخرجته الإضافة إلى التمكن فأعرب، ألا ترى أّن أمس مبنية على الكسر فإذا أضفنها أعربتها فقلت: مضى أمسك بما فيه، وقد كان أمسنا أطيب من يومنا، وكذلك أيّ لما أضيفت وتمكنت فأعربت ثم أفردت فحمل أفرادها على ذلك فأعرب لأن الأعراب قد ثبت فيه قبل أفراده. فأن قال: فلم لم تضف الذي ومن وما وسائر ذلك من الأسماء النواقص؟ فالجواب فيه: أن الذي معرف بالألف واللام، ولا تجتمع الإضافة معها. ومن وما أشدّ إبهاما من الذي لأنهما يكونان استفهاما فيضارعان ألف الاستفهام ويكونان جزءا فيضارعان الجزاء فصارتا كهو إبهاما من أيّ فلم جز أضافتهما، ولذلك لم يثنّيا ولم يجمعا ولم يؤنثا كما فعل ذلك بالذي. فاعرف ذلك.