اخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية. والحجاج أفصحهم، قال يوما لطباخه: اطبخ لنا مخللة، وأكثر عليها من الفيجن، واعمل لنا مزعزعا. فلم يفهم عنه الطباخ ما قال. فسأل بعض ندمائه، فقال: اطبخ لنا سكباجا، وأكثر عليها من السذاب، واعمل لنا فالوذا سلسا. قال: وقدم إليه مرة أخرى سمكة مشوية، فقات: خذها ويلك فسمنها وارددها. فلم يفم عنه، فقال له نديمه: يقول لي بردها فإنها حارة.
قال الأصمعي: يقال: هو الفالوذ، والسِّرِ طْراط، والمُزَعْزَعُ، واللوُّاص، واللمَّصُ. فأما الفالوذج فهو أعجمي، والفالُوذَق مولدةٌ.
أنشد أبو غانم: الطويل
ألا من لقلب مونق بالنوائب ... رمته خطوب الدهر من كل جانب
تبين يوم البين أن اعتزامه ... على الصبر من إحدى الظنون الكواذب
أنشدنا نفطويه: قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: الوافر
بأكناف الحجاز هوى دفين ... يورقني إذا هدت العيون
أحن إلى الحجاز وساكنيه ... حنين الإلف فارقه القرين
أنشدنا أبو الفضل زبيد قال: أنشدني محمد بن داود الأصبهاني لنفسه: الطويل
أخوك الذي أمسى بحبك مغرما ... يتوب إليك اليوم مما تقدما
فإن لم تصله رغبة في إخائه ... ولم تك مشتاقا فصله تكرما
فقد والذي عافاك مما ابتلي به ... تندم لو يرضيك إن يتندّما
وبالله ما كان الصدود الذي مضى ... دلالا ولا كان الجفاء تبرّما
ولا تجزه بالهجر إن صد مكرها ... وأظهر أعراضا وأبدى تجهّما
ولم يلهه عنك السلو وإنما ... تأخر لما لم يجد متقدّما
وأنشدني له أيضا: الطويل
له مقلة ترمي القلوب بأسهم ... أشد من الضرب المدارك بالسيف
يقول خليلي: كيف صبرك بعدنا ... فقلت: وهل صبر فيسأل عن كيف
اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن منصور المعروف بابن الخياط النحوي قال: اخبرنا أبو الحسن بن الطيان عن أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت عن الأصمعي وأبي زيد وغيرهما، بما يذكر من أسماء الشجاج في هذا الفصل دخل كلام بعضهم في بعض، قالوا: الشج في الوجه والرأس خاصة دون سائر الجسد، وأول الشجاج الحارصة، وهي التي تشق الجلد خفيفا ولما يسل منها دم، ومنه حرص القصار الثوب: إذا شقه شقا خفيفا. ثم الدامية: وهي التي يظهر دمها ولم يسل. ثم الدامعة: وهي التي قطر دمها كما تدمع العين. ثم الباضعة: وهي التي جاوزت الجلد إلى اللحم فقطعته. ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في الحم. ثم السمحاق: وهي التي جاوزت اللحم في الجلدة الرقيقة، وهي التي بين اللحم والعظم. وتلك الجلدة يقال لها السمحاق فسميت الشجة بها. ويقال للسمحاق: الملطاء أيضا، تمد وتقصر. ومنه الحديث الملطاء بدمها أي يحكم فيها لوقتها ولا ينظر إلى ما يؤول أمرها. ثم الموضحة: وهي التي خرقت السمحاق فأوضحت عن العظم أي أظهرته. في المقرشة إقراشا بالقاف: وهي التي صدعت العظم ولم تهشمه. ثم الهاشمة: وهي التي هشمت العظم. ثم المنقلة: وهي التي يخرج منها عظام. ثم الأمة: ويقال لها المأموم، والأميم أيضا وهي التي بلغت أم الرأس، وهو مجتمع الدماغ، وصاحبها يصعق لصوت الرعد ورغاء الإبل، ولا يمكنه البروز للشمس. ثم الدامغة: وهي التي تخسف العظم، ولا بقاء لصاحبها.
اخبرنا الزجاج والأخفش قال اخبرنا المبرد قال: حدثت من غير وجه إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه - وهو أهله - وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. فان العبد ببين مخافتين، أجل قد مضى ما يدرى ما الله فاعل فيه، وأجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار، إلا الجنة أو النار.