قال له رجل من الصحابة لعنك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله وكان لا يدخل المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها ثم أتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَدِ اشْتَرَيْتُهُ لَكَ وَأَهْدَيْتُهُ لَكَ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَتَقَاضَاهُ بِالثَّمَنِ جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ ثَمَنَ مَتَاعِهِ فيقول له صلى الله عليه وسلم أو لم تُهْدِهِ لَنَا فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثَمَنُهُ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَيَضْحَكُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ (?) فَهَذِهِ مُطَايَبَاتٌ يُبَاحُ مِثْلُهَا على الندور لا على الدوام والمواظبة عليها هزل مذموم وسبب للضحك المميت للقلب الآفة الحادية عشر السخرية والاستهزاء
وهذا محرم مهما كان مؤذياً كما قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أن يكن خيراً منهن وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ الِاسْتِهَانَةُ وَالتَّحْقِيرُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ والنقائص عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بالمحاكاة في الفعل والقول وقد يكون بالإشارة والإيماء وإذا كان بحضرة المستهزأ به لم يسم ذلك غيبة وفيه معنى الغيبة قالت عائشة رضي الله عنها حاكيت إنساناً فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم والله ما أحب أني حاكيت إنساناً ولي كذا وكذا (?) وقال ابن عباس في قوله تعالى يا ويلتنا ما لهذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أحصاها إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن والكبيرة القهقهة بذلك وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب والكبائر وعن عبد الله بن زمعة أنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب فوعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال علام يضحك أحدكم مما يفعل (?) وقال صلى الله عليه وسلم إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال له هلم هلم فلا يأتيه (?) وقال معاذ بن جبل قال النبي صلى الله عليه وسلم من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله (?) وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير والضحك عليه استهانة به واستصغاراً لَهُ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَسَى أَنْ يكونوا خيراً منهم أَيْ لَا تَسْتَحْقِرْهُ اسْتِصْغَارًا فَلَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ
وهذا إنما يحرم في حَقُّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْخَرَةً وَرُبَّمَا فَرِحَ مِنْ أَنْ يُسْخَرَ بِهِ كَانَتِ السُّخْرِيَةُ فِي حَقِّهِ مِنْ جُمْلَةِ المزاح وَقَدْ سَبَقَ مَا يُذَمُّ مِنْهُ وَمَا يُمْدَحُ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ اسْتِصْغَارٌ يَتَأَذَّى بِهِ الْمُسْتَهْزَأُ بِهِ لما