بحلقه فوالذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد ماء لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح طريحا فِي الْمَسْجِدِ (?) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غير الذي سلكه عمر (?) وهذا لأن القلوب كانت مطهرة عن مرعى الشيطان وقوته وهي الشهوات فمهما طمعت في أن يندفع الشيطان عنك بمجرد الذكر كما اندفع عن عمر رضي الله عنه كان محالاً وكنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الاحتماء والمعدة مشغولة بغليظ الأطعمة ويطمع أن ينفعه كما نفع الذي شربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة والذكر الدواء والتقوى احتماء وهي تخلي القلب عن الشهوات فإذا نزل الذكر قلباً فارغاً عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في المعدة الخالية عن الأطعمة قال الله تعالى {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} وقال تعالى {كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} ومن ساعد الشيطان بعمله فهو مواليه وإن ذكر الله بلسانه وإن كنت تقول الحديث قد ورد مطلقاً بأن الذكر يطرد الشيطان (?) ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط نقلها علماء الدين فانظر إلى نفسك فليس الخبر كالعيان وتأمل أن منتهى ذكرك وعبادتك الصلاة فراقب قلبك إذا كنت في صلاتك كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب العالمين وجواب المعاندين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تذكر ما قد نسيته من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا إذا صليت فالصلاة محك القلوب فبها يظهر محاسنها ومساويها فالصلاة لا تقبل من القلوب المشحونة بشهوات الدنيا فلا جرم لا ينطرد عنك الشيطان بل ربما يزيد عليك الوسواس كما أن الدواء قبل الاحتماء ربما يزيد عليك الضرر فإن أردت الخلاص من الشيطان فقدم الاحتماء بالتقوى ثم أردفه بدواء الذكر يفر الشيطان منك كما فر من عمر رضي الله عنه ولذلك قال وهب بن منبه اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر أي أنت مطيع له وقال بعضهم يا عجبا لمن يعصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ويطيع اللعين بعد معرفته بطغيانه وكما إن الله تعالى قال {ادعوني أستجب لكم} وأنت تدعوه ولا يستجيب لك فكذلك تذكر الله ولا يهرب الشيطان منك لفقد شروط الذكر والدعاء

قيل لإبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا وقد قال تعالى {ادعوني أستجب لكم} قال لأن قلوبكم ميتة قيل وما الذي أماتها قال ثمان خصال عرفتم حق الله ولم تقوموا بحقه وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته وقلتم نخشى الموت ولم تستعدوا له وقال تعالى إن الشيطان لكم عدواً فاتخذوه عدواً فواطأتموه على المعاصي وقلتم نخاف النار وأرهقتم أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها وإذا قمتم من فرشكم رميتم عيوبكم وراء ظهوركم وافترشتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم

فإن قلت فالداعي إلى المعاصي المختلفة شيطان واحد أو شياطين مختلفون فاعلم أنه لا حاجة لك إلى معرفة ذلك في المعاملة فاشتغل بدفع العدو ولا تسأل عن صفته كل البقل من حيث يؤتى ولا تسأل عن المبقلة ولكن الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015