بيان مثل القلب بالإضافة إلى العلوم خاصة
اعلم أن محل العلم هو القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح وهي المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة بالإضافة إلى صور المتلونات فكما أن للمتلون صورة ومثال تلك الصورة ينطبع في المرآة ويحصل بها كذلك لكل معلوم حقيقة ولتلك الحقيقة صورة تنطبع في مرآة القلب وتتضح فيها وكما أن المرآة غير وصور الأشخاص غير وحصول مثالها في المرآة غير فهي ثلاثة أمور
فكذلك ههنا ثلاثة أمور القلب وحقائق الأشياء وحصول نفس الحقائق في القلب وحضورها فيه
فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق الأشياء والمعلوم عبارة عن حقائق الأشياء
والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة
وكما أن القبض مثلاً يستدعي قابضاً كاليد ومقبوضاً كالسيف ووصولاً بين السيف واليد بحصول السيف في اليد ويسمى قبضاً فكذلك وصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علماً وقد كانت الحقيقة موجودة والقلب موجودا ولم يكن العلم حاصلاً لأن العلم عبارة عن وصول الحقيقة إلى القلب كما أن السيف موجود واليد موجودة ولم يكن اسم القبض والأخذ حاصلاً لعدم وقوع السيف في اليد نعم القبض عبارة عن حصول السيف بعينه في اليد والمعلوم بعينه لا يحصل في القلب فمن علم النار لم تحصل عين النار في قلبه ولكن الحاصل حدها وحقيقتها المطابقة لصورتها فتمثيله بالمرآة أولى لأن عين الإنسان لا تحصل في المرآة وإنما يحصل مثال مطابق له
وكذلك حصول مثال مطابق لحقيقة المعلوم في القلب يسمى علماً
وكما أن المرآة لا تنكشف فيها الصورة لخمسة أمور
أحدها نقصان صورتها كجوهر الحديد قبل أن يدور ويشكل ويصقل
والثاني لخنثه وصدئه وكدورته وإن كان تام الشكل
والثالث لكونه معدولاً به عن جهة الصورة إلى غيرها كما إذا كانت الصورة وراء المرآة
والرابع لحجاب مرسل بين المرآة والصورة
والخامس للجهل بالجهة التي فيها الصورة المطلوبة حتى يتعذر بسببه أن يحاذى بها شطر الصورة وجهتها
فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلى فيها حقيقة الحق في الأمور كلها وإنما خلت القلوب عن العلوم التي خلت عنها لهذه الأسباب الخمسة
أولها نقصان في ذاته كقلب الصبي فإنه لا ينجلى له المعلومات لنقصانه
والثاني لكدورة المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجه القلب من كثرة الشهوات فإن ذلك يمنع صفاء القلب وجلاءه فيمتنع ظهور الحق فيه لظلمته وتراكمه
وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم من قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبدا (?) {حديث} من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وقد تقدم في العلم