العلم إما علم بأمور دينه أَوْ بِأَخْلَاقِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِآيَاتِ اللَّهِ في أرضه

وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ في سبيل الله حتى يرجع (?)

وفي خبر آخر من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة (?)

وكان سعيد بن المسيب يسافر الأيام في طلب الحديث الواحد

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَوْ سَافَرَ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي كَلِمَةٍ تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى مَا كَانَ سفره ضائعا

وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إلى مصر مع عشرة من الصحابة فساروا شهرا في حديث بلغهم عن عبد الله أنيس الأنصاري يحدث به عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعوه (?)

وكل مذكور في العلم محصل له من زمان الصحابة إلى زماننا هذا لم يحصل العلم إلا بالسفر وسافر لأجله وأما علمه بنفسه وأخلاقه فذلك أيضا مهم فإن طريق الآخرة لا يمكن سلوكها إلا بتحسين الخلق وتهذيبه ومن لا يطلع على أسرار باطنه وخبائث صِفَاتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَطْهِيرِ الْقَلْبِ مِنْهَا

وإنما السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال وبه يخرج الله الخبء في السماوات والأرض وإنما سمى السفر سفرا لأنه يسفر عن الأخلاق ولذلك قال عمر رضي الله عنه للذي زكى عنده بعض الشهود هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم أخلاقه فقال لا فقال ما أراك تعرفه

وكان بشر يقول يا معشر القراء سيحوا تطيبوا فإن الماء إذا ساح طاب وإذا طال مقامه في موضع تغير

وبالجملة فإن النفس فِي الْوَطَنِ مَعَ مُوَاتَاةِ الْأَسْبَابِ لَا تَظْهَرُ خَبَائِثُ أَخْلَاقِهَا لِاسْتِئْنَاسِهَا بِمَا يُوَافِقُ طَبْعَهَا مِنَ المألوفات المعهودة فإذا حملت وعثاء السفر وصرفت عن مألوفاتها المعتادة وامتحنت بمشاق الغربة انكشفت غوائلها ووقع الوقوف على عيوبها فيمكن الاشتغال بعلاجها

وقد ذكرنا في

كتاب العزلة فوائد المخالطة والسفر مخالطة مع زيادة اشتغال واحتمال مشاق

وَأَمَّا آيَاتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَفِي مُشَاهَدَتِهَا فَوَائِدُ لِلْمُسْتَبْصِرِ فَفِيهَا قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَفِيهَا الْجِبَالُ وَالْبَرَارِي وَالْبِحَارُ وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ومسبح له بلسان ذلق لا يدركه إلا من ألقى السمع وهو شهيد

وأما الجاحدون والغافلون والمغترون بلامع السراب من زهرة الدنيا فإنهم لا يبصرون ولا يسمعون لأنهم عن السمع معزولون وعن آيات ربهم محجوبون {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} وما أريد بالسمع السمع الظاهر فإن الذينأريدوا به ما كانوا معزولين عنه وإنما أريد به السمع الباطن ولا يدرك بالسمع الظاهر إلا الأصوات

ويشارك الإنسان فيه سائر الحيوانات

فأما السمع الباطن فيدرك به لسان الحال الذي هو نطق وراء نطق المقال يشبه قول القائل حكاية لكلام الوتد والحائط قال الجدار للوتد لم تشقني فقال سل من يدقنى ولم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي

وما من ذرة في السماوات والأرض إلا ولها أنواع شاهدات لله تعالى بالوحدانية هي توحيدها وأنواع شاهدات لصانعها بالتقدس هي تسبيحها ولكن لا يفقهون تسبيحها لأنهم لم يسافروا من مضيق سمع الظاهر إلى فضاء سمع الباطن ومن ركاكة لسان المقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015