فضيحة كان من يعرفك قليلاً
ودخل بعض الأمراء على حاتم الأصم فقال له
ألك حاجة قال نعم قال وما هي قال أن لا تراني ولا أراك ولا تعرفني
وقال رجل لسهل أريد أن اصحبك فقال إذا مات أحدنا فمن يصحب الآخر قال الله قال فليصحبه الآن
وقيل للفضيل إن علياً ابنك يقول لوددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني فبكى الفضيل وقال يا ويح على أفلاً أتمها فقال لا أراهم ولا يروني وقال الفضيل أيضاً من سخافة عقل الرجل كثرة معارفه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما أفضل المجالس مجلس في قعر بيتك لا ترى ولا ترى
فهذه أقاويل المائلين الى العزلة
ذكر حجج المائلين إلى المخالطة ووجه ضعفها
احتج هؤلاء بقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} الآية وبقوله تعالى {فألف بين قلوبكم} أمتن على الناس بالسبب المؤلف وهذا ضعيف لأن المراد به تفرّق الآراء واختلاف المذاهب في معاني كتاب الله وأصول الشريعة
والمراد بالألفة نزع الغوائل من الصدور وهي الأسباب المثيرة للفتن المحركة للخصومات والعزلة لا تنافى ذلك
واحتجوا بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ آلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ (?)
وهذا ضعيف لأنه إشارة إلى مذمة سوء الخلق تمتنع بسببه المؤالفة ولا يدخل تحته الحسن الخلق الذي إن خالط ألف وألف ولكنه ترك المخالطة اشتغالا بنفسه وطلبا للسلامة من غيره
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية (?)
وبقوله صلى الله عليه وسلم من شق عصا المسلمين والمسلمون في إسلام دامج فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه (?)
وهذا ضعيف لأن المراد به الجماعة التي اتفقت آراؤهم على إمام بعقد البيعة فالخروج عليهم بغى وذلك مخالفة بالرأي وخروج عليهم وذلك محظور لاضطرار الخلق إلى إمام مطاع يجمع رأيهم ولا يكون ذلك إلا بالبيعة من الأكثر فالمخالفة تشويش مثير للفتنة فليس في هذا تعرض للعزلة
واحتجوا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الهجر فوق ثلاث إذ قال من هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار (?)
وقال صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث والسابق بالصلح يدخل الجنة (?)
وقال من هجر أخاه سنة فهو كسافك دمه (?)
قالوا والعزلة هجره بالكلية
وهذا ضعيف لأن المراد به الغضب على الناس واللجاج فيه بقطع الكلام والسلام والمخالطة المعتادة فلا يدخل فيه ترك المخالطة أصلا من غير غضب
مع أن الهجر فوق ثلاث جائز في موضعين
أحدهما أن يرى فيه إصلاحا للمهجور في الزيادة
الثاني أن يرى لنفسه سلامة فيه