وإلا فالمساجد أروح لقلوب الْمُتَعَبِّدِينَ فَإِذَا فَعَلَ هَذِهِ الْخَمْسَ فَقَدْ تَمَّ الْإِخَاءُ وَارْتَفَعَتِ الْحِشْمَةُ وَتَأَكَّدَ الِانْبِسَاطُ
وَقَوْلُ الْعَرَبِ فِي تَسْلِيمِهِمْ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ أحدهم لصاحبه مرحباً وأهلاً وَسَهْلًا أَيْ لَكَ عِنْدَنَا مَرْحَبٌ وَهُوَ السَّعَةُ فِي الْقَلْبِ وَالْمَكَانِ وَلَكَ عِنْدَنَا أَهْلٌ تَأْنَسُ بِهِمْ بِلَا وَحْشَةٍ لَكَ مِنَّا وَلَكَ عِنْدَنَا سُهُولَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ لَا يَشْتَدُّ علينا مِمَّا تُرِيدُ
وَلَا يَتِمُّ التَّخْفِيفُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ إِلَّا بِأَنْ يَرَى نَفْسَهُ دُونَ إِخْوَانِهِ وَيُحْسِنَ الظن بهم ويسيء الظن بنفسه فإذا رآهم خيرا من نفسه فعند ذلك يكون هو خيراً منهم وقال أبو معاوية الأسود إخواني كلهم خير مني قيل وكيف ذلك قال كلهم يرى لي الفضل عليه ومن فضلني على نفسه فهو خير مني وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءُ عَلَى دين خليله وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ (?)
فَهَذِهِ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ النَّظَرُ بِعَيْنِ الْمُسَاوَاةِ وَالْكَمَالِ فِي رؤية الفضل للأخ
ولذلك قال سفيان إذا قيل لك ياشر الناس فغضبت فأنت شر الناس أي ينبغي أن تكون معتقداً ذلك في نفسك أبداً
وسيأتي وجه ذلك في كتاب الكبر والعجب
وقد قيل في معنى التواضع ورؤية الفضل للإخوان أبيات
تذلل لمن إن تذللت له ... يرى ذاك للفضل لا للبله
وجانب صداقة من لا يزا ... ل على الأصدقاء يرى الفضل له
وقال آخر
كم صديق عرفته بصديق ... صار أحظى من الصديق العتيق
ورفيق رأيته في طريق ... صار عندي هو الصديق الحقيقي
وَمَهْمَا رَأَى الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ فَقَدِ احْتَقَرَ أَخَاهُ وَهَذَا فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ مَذْمُومٌ
قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم بحسب المؤمن مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ (?)
وَمِنْ تَتِمَّةِ الِانْبِسَاطِ وَتَرْكِ التَّكَلُّفِ أَنْ يُشَاوِرَ إِخْوَانَهُ في كل ما يقصده ويقبل إشاراتهم فقد قال تعالى وشاورهم في الأمر وينبغي أن لا يخفي عنهم شيئاً من أسراره كما روي أن يعقوب ابن أخي معروف قال جاء أسود بن سالم إلى عمي معروف وكان مواخيا له فقال إن بشر بن الحرث يحب مؤاخاتك وهو يستحي أن يشافهك بذلك وقد أرسلني إليك يسألك أن تعقد له فيما بينك وبينه أخوة يحتسبها ويعتد بها إلا أنه يشترط فيها شروطاً لا يحب أن يشتهر بذلك ولا يكون بينك وبينه مزاورة ولا ملاقاة فإنه يكره كثرة الالتقاء فقال معروف أما أنا لو آخيت أحداً لم أحب مفارقته ليلاً ولا نهاراً ولزرته في كل وقت وآثرته على نفسي في كل حال ثم ذكر من فضل الأخوة والحب في الله أحاديث كثيرة ثم قال فيها
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فشاركه في العلم (?)
وقاسمه في البدن (?)
وأنكحه أفضل بناته وأحبهن إليه وخصه بذلك لمؤاخاته (?)
وأنا