بالحلال قوته ولباسه فإن ما يتعلق ببدنه ولا غنى به عنه هو أولى بأن يكون طيباً وإذا دار الأمر بين القوت واللباس فيحتمل أن يقال يخص القوت بالحلال لأنه ممتزج بلحمه ودمه وكل لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ

وأما الكسوة ففائدتها ستر عورته ودفع الحر والبرد والأبصار عن بشرته وهذا هو الأظهر عندي

وقال الحارث المحاسبي يقدم اللباس لأنه يبقى عليه مدة والطعام لا يبقى عليه لما روي أنه لا يقبل الله صلاة من عليه ثوب اشتراه بعشرة دراهم فيها درهم حرام (?)

وهذا محتمل ولكن أمثال هذا قد ورد فيمن في بطنه حرام ونبت لحمه من حرام (?)

فمراعاة اللحم والعظم أن ينبته من الحلال أولى ولذلك تقيأ الصديق رضي الله عنه ما شربه مع الجهل حتى لا ينبت منه لحم يثبت ويبقى

فإن قيل فإذا كان الكل منصرفاً إلى أغراضه فأي فرق بين نفسه وغيره وبين جهة وجهة وما مدرك هذا الفرق قلنا عرف ذلك بما روي أن رافع بن خديج رحمه الله مات وخلف ناضحاً وعبداً حجاماً فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهى عن كسب الحجام فروجع مرات فمنع منه فقيل إن له أيتاماً فقال أعلفوه الناضح (?)

فهذا يدل على الفرق بين مايأكله هو أو دابته فإذا انفتح سبيل الفرق فقس عليه التفصيل الذي ذكرناه

مسألة الحرام الذي في يده لو تصدق به على الفقراء فله يوسع عليهم وإذا أنفق على نفسه فليضيق ما قدر وما أنفق على عياله فليقتصد وليكن وسطاً بين التوسيع والتضييق فيكون الأمر على ثلاث مراتب فإن أنفق على ضيف قدم عليه وهو فقير فليوسع عليه وإن كان غنياً فلا يطعمه إلا إذا كان في برية أو قدم ليلاً ولم يجد شيئاً فإنه في ذلك الوقت فقير وإن كان الفقير الذي حضر ضيفاً تقياً لو علم ذلك لتورع عنه فليعرض الطعام وليخبره جمعاً بين حق الضيافة وترك الخداع فلا ينبغي أن يكرم أخاه بما يكره ولا ينبغي أن يعول على أنه لا يدري فلا يضره فإن الحرام إذا حصل في المعدة أثر في قساوة القلب وإن لم يعرفه صاحبه ولذلك تقيأ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا قد شربا على جهل وهذا وإن أفتينا بإنه حلال للفقراء أحللناه بحكم الحاجة إليه فهو كالخنزير والخمر إذا أحللناهما بالضرورة فلا يلتحق بالطيبات

مسألة إذا كان الحرام أو الشبهة في يد أبويه فليمتنع عن مؤاكلتهما فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما فلا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فهذا قد عارضه أن الورع طلب رضاهما بل هو واجب فليتلطف في الامتناع فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل بأن يصغر اللقمة ويطيل المضغ ولا يتوسع فإن ذلك عدوان والأخ والأخت قريبان من ذلك لأن حقهما أيضاً مؤكد وكذلك إذا ألبسته أمه ثوباً من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبس بين يديها ولينزع في غيبتها وليجتهد أن لا يصلي فيه إلا عند حضورها فيصلي فيه صلاة المضطر وعند تعارض أسباب الورع ينبغي أن يتفقد هذه الدقائق

وقد حكي عن بشر رحمه الله أنه سلمت إليه أمه رطبة وقالت بحقي عليك أن تأكلها وكان يكرهه فأكل ثم صعد غرفة فصعدت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015