ويجنبه الخبيث فإن كان لا يطمئن قلبه إليه فيحترز متلطفاً ولا يهتك ستره بالسؤال قال لأني لم أر أحداً من العلماء فعله فهذا منه مع ما اشتهر به من الزهد يدل على مسامحة فيما إذا خالط المال الحرام القليل ولكن ذلك عند التوهم لا عند التحقيق لأن لفظ الريبة يدل على التوهم بدلالة تدل عليه ولا يوجب اليقين فليراع هذه الدقائق بالسؤال
مسألة ربما يقول القائل أي فائدة في السؤال ممن بعض ماله حرام ومن يستحل المال الحرام ربما يكذب فإن وثق بأمانته فليثق بديانته في الحلال فأقول مهما علم مخالطة الحرام لمال إنسان وكان له غرض في حضورك ضيافته أو قبولك هديته فلا تحصل الثقة بقوله فلا فائدة للسؤال منه فينبغي أن يسأل من غيره وكذا إن كان بياعا وهو يرغب في البيع لطلب الربح فلا تحصل الثقة بقوله إنه حلال ولا فائدة في السؤال منه وإنما يسأل من غيره وَإِنَّمَا يُسْأَلُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ إِذَا لَمْ يكن متهماً كما يسأل المتولي على المال الذي يسلمه أنه من أي جهة وكما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدية والصدقة فإن ذلك لا يؤذي ولا يتهم القائل فيه وكذلك إذا اتهمه بأنه ليس يدري طريق كسب الحلال فلا يتهم في قوله إذا أخبر عن طريق صحيح وكذلك يسأل عبده وخادمه ليعرف طريق اكتسابه فههنا يفيد السؤال فإذا كان صاحب المال متهماً فَلْيُسْأَلْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ قبله وإن أخبره فاسق يعلم مِنْ قَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ حَيْثُ لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ جَازَ قَبُولُهُ لِأَنَّ هذا أمر بينه وبين الله تعالى والمطلوب ثقة النفس وقد يحصل من الثقة بقول الفاسق ما لا يحصل بقول عدل في بعض الأحوال وليس كل من فسق يكذب ولا كل من ترى العدالة في ظاهره يصدق وإنما نيطت الشهادة بالعدالة الظاهرة لضرورة الحكم فإن البواطن لا يطلع عليها وقد قبل أبو حنيفة رحمه الله شهادة الفاسق وكم من شخص تعرفه وتعرف أنه قد يقتحم المعاصي ثم إذا أخبرك بشيء وثقت به وكذلك إذا أخبر به صبي مميز ممن عرفته بالتثبت فقد تحصل الثقة بقوله فيحل الاعتماد عليه فأما إذا أخبر به مجهول لا يدري من حاله شيء أصلاً فهذا ممن جوزنا الأكل من يده لأن يده دلالة ظاهرة على ملكه
وربما يقال إسلامه دلالة ظاهرة على صدقه وهذا فيه نظر ولا يخلو قوله عن أثر ما في النفس حتى لو اجتمع منهم جماعة تفيد ظناً قويأ إلا أن أثر الواحد فيه في غاية الضعف فلينظر إلى حد تأثيره في القلب فإن المفتي هو القلب في مثل هذا الموضع وَلِلْقَلْبِ الْتِفَاتَاتٌ إِلَى قَرَائِنَ خَفِيَّةٍ يَضِيقُ عَنْهَا نطاق النطق فليتأمل فيه ويدل على وجوب الالتفات إليه ما روي عن عقبة بن الحارث أنه جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إني تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء فزعمت أنها قد أرضعتنا وهي كاذبة فقال دعها فقال إنها سوداء يصغر من شأنها فقال عليه السلام فكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما لا خير لك فيها دعها عنك (?)
وفي لفظ آخر كيف وقد قيل ومهما لم يعلم كذب المجهول ولم تظهر أمارة غرض له فيه كان له وقع في القلب لا محالة فلذلك يتأكد الأمر بالاحتراز فإن اطمأن إليه القلب كان الاحتراز حتماً واجباً
مسألة حيث يجب السؤال فلو تعارض قول عدلين تساقطا وكذا قول فاسقين ويجوز أن يترجح في قلبه قول أحد العدلين أو أحد الفاسقين ويجوز أن يرجح أحد الجانبين بالكثرة أو بالاختصاص بالخبرة والمعرفة وذلك مما يتشعب تصويره
مسألة لو نهب متاع مخصوص فصادف من ذلك النوع متاعا في يد إنسان وأراد أن يشتريه واحتمل أن لا يكون