أو متكلف (?) فالأمير هو الإمام وقد كانوا هم المفتون والمأمور نائبه والمتكلف غيرهما وهو الذي يتقلد تلك العهدة من غير حاجة
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحترزون عن الفتوى حتى كان يحيل كل منهم على صاحبه وكانوا لا يحترزون إذا سئلوا عن علم القرآن وطريق الآخرة
وفي بعض الروايات بدل المتكلف المرائي فإن من تقلد خطر الفتوى وهو غير متعين للحاجة فلا يقصد به إلا طلب الجاه والمال
فإن قلت هذا إن استقام لك في أحكام الجراحات والحدود والغرامات وفصل الخصومات فلا يستقيم فيما يشتمل عليه ربع العبادات من الصيام والصلاة ولا فيما يشتمل عليه ربع العادات من المعاملات من بيان الحلال والحرام فاعلم أن أقرب ما يتكلم الفقيه فيه من الأعمال التي هي أعمال الآخرة ثلاثة الإسلام والصلاة والزكاة والحلال والحرام فإذا تأملت منتهى نظر الفقيه فيها علمت أنه لا يجاوز حدود الدنيا إلى الآخرة وإذا عرفت هذا في هذه الثلاثة فهو في غيرها أظهر
أما الإسلام فيتكلم الفقيه فيما يصح منه وفيما يفسد وفي شروطه وليس يلتفت فيه إلا إلى اللسان
وأما القلب فخارج عن ولاية الفقيه لعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب السيوف والسلطنة عنه حيث قال هلا شققت عن قلبه (?) للذي قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذراً بأنه قال ذلك من خوف السيف بل يحكم الفقيه بصحة الإسلام تحت ظلال السيوف مع أنه يعلم أن السيف لم يكشف له عن نيته ولم يدفع عن قلبه غشاوة الجهل والحيرة ولكنه مثير على صاحب السيف فإن السيف ممتد إلى رقبته واليد ممتدة إلى ماله وهذه الكلمة باللسان تعصم رقبته وماله ما دام له رقبة ومال وذلك في الدنيا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم (?) جعل أثر ذلك في الدم والمال
وأما الآخرة فلا تنفع فيها الأموال بل أنوار القلوب وأسرارها وإخلاصها وليس ذلك من الفقه وإن خاض الفقيه فيه كان كما لو خاض في الكلام والطب وكان خارجاً عن فنه
وأما الصلاة فالفقيه يفتي بالصحة إذا أتى بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط وإن كان غافلاً في جميع صلاته من أولها إلى آخرها مشغولاً بالتفكير في حساب معاملاته في السوق إلا عند التكبير وهذه الصلاة لا تنفع في الآخرة كما أن القول باللسان في الإسلام لا ينفع ولكن الفقيه يفتي بالصحة أي أن ما فعله حصل به امتثال صيغة الأمر وانقطع به عنه القتل والتعزير فأما الخشوع وإحضار القلب الذي هو عمل الآخرة وبه ينفع العمل الظاهر لا يتعرض له الفقيه ولو تعرض له لكان خارجاً عن فنه وأما الزكاة فالفقيه ينظر إلى ما يقطع به مطالبة السلطان حتى إنه إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهراً حكم بأنه برئت ذمته
وحكى أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته آخر الحول ويستوهب مالها إسقاطاً للزكاة فحكى ذلك لأبي حنيفة رحمه الله فقال ذلك من فقهه
وصدق فإن ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الآخرة أعظم من كل جناية ومثل هذا هو العلم الضار
وأما الحلال والحرام فالورع عن الحرام من الدين ولكن الورع له أربع مراتب
الأولى الورع الذي يشترط في عدالة الشهادة وهو الذي يخرج بتركه الإنسان عن أهلية الشهادة والقضاء والولاية وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر
الثانية ورع الصالحين وهو التوقي من الشبهات التي يتقابل فيها الاحتمالات
قال صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك (?) وقال صلى الله عليه وسلم الإثم حزاز القلوب (?)
الثالثة ورع