مخ ساقها من وراء تلك السبعين حلة قد طهر الله الأخلاق من السوء والأجساد من الموت لا يمتخطون فيها ولا يبولون ولا يتغوطون وإنما هو حبشاء ورشح مسك لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً أما إنه ليس ليل يكر الغدو على الرواح والرواح على الغدو وإن آخر من يدخل الجنة وأدناهم منزلة ليمد له في بصره وملكه مسيرة مائة عام في قصور من الذهب والفضة وخيام اللؤلؤ ويفسح له في بصره حتى ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه يغدى عليهم بسبعين ألف صحفة من ذهب ويراح عليهم بمثلها في كل صحفة لون ليس في الأخرى مثله ويجد طعم آخره كما يجد طعم أوله وإن في الجنة لياقوتة فيها سبعون ألف دار في كل دار سبعون ألف بيت ليس فيها صدع ولا ثقب

وقال مجاهد إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن يسير في ملكه ألف سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه وأرفعهم الذي ينظر إلى ربه بالغداة والعشي وقال سعيد ابن المسيب ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة سوار من ذهب وسوار من لؤلؤ وسوار من فضة

وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء إذا مشت مشى عن يمينها ويسارها سبعون ألف وصيفة وهي تقول أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال يحيى بن معاذ ترك الدنيا شديد وفوت الجنة أشد وترك الدنيا مهر الآخرة وقال أيضاً في طلب الدنيا ذل النفوس وفي طلب الآخرة عز النفوس فيا عجباً لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى ويترك العز في طلب ما يبقى

صفة الرؤية والنظر إلى وجه الله تبارك تعالى

قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى وهي اللذة الكبرى التي ينسى فيها نعيم أهل الجنة وقد ذكرناه حقيقتها في كتاب المحبة وقد شهد لها الكتاب والسنة على خلاف ما يعتقده أهل البدعة قال جرير بن عبد الله البجلي كنا جلوساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى القمر ليلة البدر فقال إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} (?) وهو مخرج في الصحيحين وروى مسلم في الصحيح عن صهيب قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة {قال} إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه قالوا ما هذا الموعد ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيرفع الحجاب وينظرون إلى وجه الله عز وجل فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إليه (?) وقد روى حديث الرؤيا جماعة من الصحابة وهذه هي غاية الحسنى ونهاية النعمى وكل ما فصلناه من التنعم عند هذه النعمة ينسى وليس لسرور أهل الجنة عند سعادة اللقاء منتهى بل لا نسبة لشىء من لذات الجنة إلى لذة اللقاء وقد أوجزنا في الكلام هنا لما فصلناه في كتاب المحبة والشوق والرضا فلا ينبغي أن تكون همة العبد من الجنة بشيء سوى لقاء المولى وأما سائر نعيم الجنة فإنه يشارك فيه البهيمة المسرحة في المرعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015