{وقال} كلما رأيته ذكرت الدنيا أرسلي به إلى آل فلان (?) وفرشت له عائشة ذات ليلة فراشاً جديداً وقد كان صلى الله عليه وسلم ينام على عباءة مثنية فما زال يتقلب ليلته فلما أصبح قال لها أعيدي العباءة الخلقة ونحي هذا الفراش عني قد أسهرني الليلة (?) وكذلك أتته دنانير خمسة أو ستة ليلاً فبيتها فسهر ليلته حتى أخرجها من آخر الليل
قالت عائشة رضي الله عنها فنام حينئذ حتى سمعت غطيطه ثم قال ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده (?) وقال الحسن أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه وما وضع أحدهم بينه وبين الأرض ثوباً قط كان إذا أراد النوم باشر الأرض بجسمه وجعل ثوبه فوقه
المهم الخامس المنكح وقد قال قائلون لا معنى للزهد في أصل النكاح ولا في كثرته وإليه ذهب سهل ابن عبد الله وقال قد حبب إلى سيد الزاهدين النساء فكيف نزهد فيهن ووافقه على هذا القول ابن عيينة وقال كان أزهد الصحابة عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكان له أربع نسوة وبضع عشرة سرية
والصحيح ما قاله أبو سليمان الداراني رحمه الله إذ قال كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم والمرأة قد تكون شاغلاً عن الله
وكشف الحق فيه أنه قد تكون العزوبة أفضل في بعض الأحوال كما سبق في كتاب النكاح فيكون ترك النكاح من الزهد وحيث يكون النكاح أفضل لدفع الشهوة الغالبة فهو واجب فكيف يكون تركه من الزهد وإن لم يكن عليه آفة في تركه ولا فعله ولكن ترك النكاح احترازاً عن ميل القلب إليهن والأنس بهن بحيث يشتغل عن ذكر الله فترك ذلك من الزهد فإن علم أن المرأة لا تشغله عن ذكر الله ولكن ترك ذلك احترازاً من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة فليس هذا من الزهد أصلاً فإن الولد مقصود لبقاء نسله وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من القربات واللذة التي تلحق الإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضره إذا لم تكن هي المقصد والمطلب وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازاً من لذة الأكل والشرب وليس ذلك من الزهد في شيء لأن في ترك ذلك فوات بدنه فكذلك في ترك النكاح انقطاع نسله فلا يجوز أن يترك النكاح زهداً في لذته من غير خوف آفة أخرى وهذا ما عناه سهل لا محالة ولأجله نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإذا ثبت هذا فمن حاله حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لا يشغله كثرة النسوة ولا اشتغال القلب بإصلاحهن والإنفاق عليهن (?) فلا معنى لزهده فيهن حذراً من مجرد لذة الوقاع والنظر ولكن أنى يتصور ذلك لغير الأنبياء والأولياء فأكثر الناس يشغلهم