بادنى شك وخيال والعارف البصير أبعد أن يخاف عليه سوء الخاتمة وكلاهما إن ماتا على الإيمان يعذبان إلا أن يعفو الله عذاباً يزيد على عذاب المناقشة في الحساب وتكون كثرة العقاب من حيث المدة بحسب كثرة مدة الإصرار ومن حيث الشدة بحسب قبح الكبائر ومن حيث اختلاف النوع بحسب اختلاف أصناف السيئات وعند انقضاء مدة العذاب ينزل البله المقلدون في درجات أصحاب اليمين والعارفون المستبصرون في أعلى عليين ففي الخبر آخر من يخرج من النار يعطى مثل الدنيا كلها عشرة أضعاف (?) فلا تظن أن المراد به تقديره بالمساحة لأطراف الأجسام كان يقابل فرسخ بفرسخين أو عشرة بعشرين فإن هذا جهل بطريق ضرب الأمثال بل هذا كقول القائل أخذ منه جملاً واعطاه عشرة أمثاله وكان الجمل يساوي عشرة دنانير فأعطاه مائة دينار فإن لم يفهم من المثل إلا المثل في الوزن والثقل فلا تكون مائة دينار لو وضعت في كفة الميزان والجمل في الكفة الأخرى عشر عشيره بل هو موازنة معاني الأجسام وارواحها دون أشخاصها وهياكلها فإن الجمل لا يقصد لثقله وطوله وعرضه ومساحته بل لماليته فروحه المالية وجسمه اللحم والدم ومائة دينار عشرة أمثاله بالموازنة الروحانية لا بالموازنة الجسمانية وهذا صادق عند من يعرف روح المالية من الذهب والفضة بل لو أعطاه جوهرة وزنها مثقال وقيمتها مائة دينار وقال أعطيته عشرة امثاله كان صادقاً ولكن لا يدرك صدقه إلا الجوهريون فإن روح الجوهرية لا تدرك بمجرد البصر بل بفطنة أخرى وراء البصر فلذلك يكذب به الصبي بل القروي والبدوي ويقول ما هذه الجوهرة إلا حجر وزنه مثقال ووزن الجمل ألف ألف مثقال فقد كذب في قوله إني أعطيته عشرة امثاله والكاذب بالتحقيق هو الصبي ولكن لا سبيل إلى تحقيق ذلك عنده إلا بأن ينتظر به البلوغ والكمال وأن يحصل في قلبه النور الذي يدرك به أرواح الجواهر وسائر الأموال فعند ذلك ينكشف له الصدق والعارف عاجز عن تفهيم المقلد القاصر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الموازنة إذ يقول صلى الله عليه وسلم الجنة في السموات (?) كما ورد في الأخبار والسموات من الدنيا فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا في الدنيا وهذا كما يعجز البالغ عن تفهيم الصبي تلك الموازنة وكذلك تفهيم البدوي وكما أن الجوهري مرحوم إذا بلي بالبدوي والقروي في تفهيم تلك الموازنة فالعارف مرحوم إذ يلى بالبليد الأبلة في تفهيم هذه الموازنة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ارحموا ثلاثة عالماً بين الجهال وغني قوم افتقر وعزيز قوم ذل (?) والأنبياء مرحومون بين الأمة بهذا السبب ومقاساتهم لقصور عقول الأمة فتنة لهم وامتحان وابتلاء من الله وبلاء موكل بهم سبق بتوكيله القضاء الأزلي وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل (?) فلا تظنن أن البلاء بلاء أيوب عليه السلام وهو الذى ينزل بالبدن فإن بلاء نوح عليه السلام أيضاً من البلاء العظيم إذ بلي بجماعة كان لا يزيدهم دعاؤه إلى الله إلا فرارا ولذلك لما تأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام بعض الناس قال رحم الله اخي موسى لقد اوذي بأكثر من هذا فصبر (?) فإذن لا تخلو الأنبياء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015