فإنهم مع تمييزهم بالفصاحة والبلاغة تهدفوا لسبه ونهيه وقتله وإخراجه كما أخبر الله عز وجل عنهم ولم يقدروا على معارضته بمثل القرآن إذ لم يكن في قدرة البشر الجمع بين جزالة القرآن ونظمه هذا مع ما فيه من أخبار الأولين مع كونه أمياً غير ممارس للكتب والإنباء عن الغيب في أمور تحقق صدقه فيها في الاستقبال كقوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين وكقوله ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلاً لله تعالى
فمهما كان مقروناً بتحدي النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة قوله صدقت وذلك مثل القائل بين يدي 2 الملك المدعي على رعيته أنه رسول الملك إليهم فإنه مهما قال لذلك إن كنت صادقاً فقم على سريرك ثلاثاً واقعد على خلاف عادتك ففعل الملك ذلك حصل للحاضرين علم ضروري بأن ذلك نازل منزلة قوله صدقت الركن الرابع في السمعيات وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه ومداره على عشرة أصول
الأصل الأول الحشر والنشر (?) وقد ورد بهما الشرع وهو حق والتصديق بهما واجب لأنه في العقل ممكن ومعناه الإعادة بعد الإفناء وذلك مقدور لله تعالى كابتداء الإنشاء قال الله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فاستدل بالابتداء على الإعادة وقال عز وجل ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة والإعادة ابتداء ثان فهو ممكن كالابتداء الأول
الأصل الثاني سؤال منكر ونكير (?) وقد وردت به الأخبار فيجب التصديق به لأنه ممكن إذ ليس يستدعي إلا إعادة الحياة إلى جزء من الأجزاء الذي به فهم الخطاب وذلك ممكن في نفسه ولا يدفع ذلك ما يشاهد من سكون أجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له فإن النائم ساكن بظاهره ويدرك بباطنه من الآلام واللذات ما يحس بتأثيره عند التنبه وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يسمع كلام جبريل عليه السلام ويشاهده ومن حوله لا يسمعونه ولا يرونه (?) ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء فإذا لم يخلق لهم السمع والرؤية لم يدركوه
الأصل الثالث عذاب القبر وقد ورد الشرع به قال الله تعالى النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب واشتهر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر (?) وهو ممكن فيجب التصديق به ولا يمنع من التصديق به تفرق أجزاء الميت في بطون السباع وحواصل الطيور فإن المدرك لألم العذاب من الحيوان أجزاء مخصوصة يقدر الله تعالى على إعادة الإدراك إليها
الأصل الرابع الميزان وهو حق قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ القيامة وقال تعالى فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه الآية ووجهها أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزناً بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة