وَأَنْ يَنْشَطُوا فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَأَنْ يُسَامِحُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فِي الْمَكَانِ فَإِنْ قَصَّرَ فِيهِ مُقَصِّرٌ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ وَوَجَدَ لِذَلِكَ اسْتِبْعَادًا فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ يَتَقَاضَى الِاحْتِرَامَ مَعَ الطَّاعَةِ الَّتِي أَخْفَاهَا مع أنه لم يطلع عليه ولو لم يكن قد سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه وَمَهْمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْعِبَادَةِ كَعَدَمِهَا فِي كل ما يتعلق بالخلق لم يكن قد قنع بعلم الله ولم يَكُنْ خَالِيًا عَنْ شَوْبٍ خَفِيٍّ مِنَ الرِّيَاءِ أخفى من دبيب النمل // حديث في الرياء شوائب أخفى من دبيب النمل أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي بكر الصديق وضعفه هو والدارقطني

وَكُلُّ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُحْبِطَ الْأَجْرَ وَلَا يسلم منه إلا الصديقون

وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إن الله عز وجل يقول للقراء يوم القيامة ألم يكن يرخص عليكم السعر ألم تكونوا تبتدءون بالسلام ألم تكونوا تقضى لكم الحوائج

وفي الحديث لا أجر لكم قد استوفيتم أجوركم وقال عبد الله بن المبارك

روي عن وهب بن منبه أنه قال إن رجلاً من السواح قال لأصحابه إنا إنما فارقنا الأموال والأولاد مخافة الطغيان فنخاف أن نكون قد دخل علينا في أمرنا هذا من الطغيان أكثر مما دخل على أهل الأموال في أموالهم إن أحدنا إذا لقي أحب أن يعظم لمكان دينه وإن سأل حاجة أحب أن تقضى له لمكان دينه وإن اشترى شيئا أحب أن يرخص عليه لمكان دينه فبلغ ذلك ملكهم فركب في موكب من الناس فإذا السهل والجبل قد امتلأ بالناس فقال السائح ما هذا قيل هذا الملك قد أظللك فقال للغلام ائتي بطعام فأتاه ببقل وزيت وقلوب الشجر فجعل يحشو شدقه ويأكل أكلاً عنيفاً فقال الملك أين صاحبكم فقالوا هذا قال كيف أنت قال كالناس وفي حديث آخر بخير فقال الملك ما عند هذا من خير فانصرف عنه فقال السائح الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي ذام فلم يَزَلِ الْمُخْلِصُونَ خَائِفِينَ مِنَ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ يَجْتَهِدُونَ لذلك في مخادعة الناس عن أعمالهم الصالحة يحرصون على إِخْفَائِهَا أَعْظَمَ مِمَّا يَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى إِخْفَاءِ فَوَاحِشِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ تَخْلُصَ أَعْمَالُهُمُ الصالحة فيجازيهم الله في القيامة بإخلاصهم على ملأ من الخلق إِذْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ فِي الْقِيَامَةِ إِلَّا الْخَالِصَ وَعَلِمُوا شِدَّةَ حَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلَا بَنُونَ وَلَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ ولده ويشتغل الصديقون بأنفسهم فيقول كل واحد

نفسي نفسي فضلاً عن غيرهم فكانوا كزوار بيت الله إذا توجهوا إلى مكة فإنهم يستصحبون مع أنفسهم الذهب المغربي الخالص لعلمهم أن أرباب البوادي لا يروج عندهم الزائف والبهرج والحاجة تشتد في البادية ولا وطن يفزع إليه ولا حميم يتمسك به فلا ينجي إلى الخالص من النقد فكذا يشاهد أرباب القلوب يوم القيامة والزاد الذي يتزودونه له من التقوى

فَإِذَنْ شَوَائِبُ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ وَمَهْمَا أَدْرَكَ مِنْ نَفْسِهِ تَفْرِقَةً بَيْنَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عِبَادَتِهِ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فَفِيهِ شعبة من الرياء فإنه لما قطع طعمه عن البهائم لم يبال حضره البهائم أو الصبيان الرضع أم غابوا اطلعوا على حركته أم لم يطلعوا فلو كان مخلصاً قانعاً بعلم الله لاستحقر عقلاء العباد كما استحقر صبيانهم ومجانينهم وعلم أن العقلاء لا يقدرون له عَلَى رِزْقٍ وَلَا أَجَلٍ وَلَا زِيَادَةِ ثَوَابٍ ونقصان عقاب كما لا يقدر عليه البهائم والصبيان والمجانين فإذا لم يجد ذلك ففيه شوب خفي ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر مفسداً للعمل بل فيه تفضيل

فَإِنْ قُلْتَ فَمَا نَرَى أَحَدًا يَنْفَكُّ عَنِ السُّرُورِ إِذَا عُرِفَتْ طَاعَاتُهُ فَالسُّرُورُ مَذْمُومٌ كُلُّهُ أو بعضه محمود وبعضه مذموم فنقول

أولاً كل سرور فليس بمذموم بل السرور منقسم إلى محمود وإلى مذموم

فأما المحمود فأربعة أقسام

الأول أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ إِخْفَاءَ الطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصَ لِلَّهِ وَلَكِنْ لَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015