وما فيه من شائبة قصد ثواب لا يستقل بحمله على العمل لا ينفي عنه المقت والإثم

الثالثة أن يكون له قصد الثواب وقصد الرياء متساويين بحيث لو كان كل واحد منهما خالياً عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعثت الرغبة أو كان كل واحد منهما لو انفرد لاستقل بحمله على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح فنرجو أن يسلم رأساً برأس لا له ولا عليه أو يكون له من الثواب مثل ما عليه من العقاب وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم وقد تكلمنا عليه في كتاب الإخلاص

الرابعة أن يكون اطلاع الناس مرجحاً ومقوياً لنشاطه ولو لم يكن لكان لا يترك العبادة ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم عليه فالذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ولكنه ينقص منه أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب وأما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تعالى أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان قصد الرياء أرجح

الركن الثاني المراءى به وهو الطاعات وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات وإلى الرياء بأوصافها

القسم الأول وهو الأغلظ الرياء بالأصول وهو على ثلاث درجات

الأولى الرياء بأصل الإيمان وهذا أغلظ أبواب الرياء وَصَاحِبُهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُ كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ولكنه يرائي بظاهر الإسلام وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع شتى كقوله عز وجل {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} أي في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم وقال تعالى {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها} الآية وقال تعالى {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} وقال تعالى {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً مذبذبين بين ذلك} والآيات فيهم كثيرة

وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطناً فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة ميلاً إلى قول الملحدة أو يعتقد على بِسَاطِ الشَّرْعِ وَالْأَحْكَامِ مَيْلًا إِلَى أَهْلِ الْإِبَاحَةِ أو يعتقد كفراً أو بدعة وهو يظهر خلافه فهؤلاء من المنافقين والمرائين المخلدين في النار وليس وراء هذا الرياء رياء وحال هؤلاء أشد حالاً من الكفار المجاهرين فإنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر

الثانية الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين وهذا أيضاً عظيم عند الله ولكنه دون الأول بكثير

ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفاً من ذمه وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهى خلوة من الخلق ليفطر وكذلك يحضر الجمعة وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَذَمَّةِ لَكَانَ لَا يَحْضُرُهَا أَوْ يَصِلُ رَحِمَهُ أَوْ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ لَا عَنْ رغبة ولكن خوفاً من الناس أو يغزو أو يحج كذلك

فهذا مراء معه أصل الإيمان بالله يعتقد أنه لا معبود سواه ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغيره لم يفعل ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند اطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق وخوفه مِنْ مَذَمَّةِ النَّاسِ أَعْظَمَ مِنْ خَوْفِهِ مِنْ عقاب الله ورغبته في محمدتهم أشد مرغبته في ثواب اللَّهِ وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ وَمَا أَجْدَرَ صَاحِبَهُ بالمقت وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015