والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة).
وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل). رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه **** فكل قرين بالمقارن مقتدي.
وأما النهي: فقد حمله بعضهم على الكافر والمنافق، وحمله بعضهم على من كان ناقص الإيمان، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: لا تصاحب إلا مؤمناً ـ أي كاملاً، بل مكملاً، أو المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن من جنس المؤمنين. انتهى.
وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: وكامل الإيمان أولى، لأن الطباع سراقة ولذلك قيل:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره**** وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد.
فصحبة الأخيار تورث الفلاح والنجاح ومجرد النظر إلى أهل الصلاح يؤثر صلاحاً والنظر إلى الصور يؤثر أخلاقاً وعقائد مناسبة لخلق المنظور وعقيدته كدوام النظر إلى المحزون يحزن وإلى المسرور يسر , والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الذلول، فالمقارنة لها تأثير في الحيوان، بل في النبات والجماد ففي النفوس أولى وإنما سمي الإنسان إنساناً، لأنه يأنس بما يراه من خير وشر. انتهى.
وهنا تنبيه على ما تقدم وهو أنه يُستثنى من هذا النهي ما إذا كانت مصاحبتهم لأجل النصيحة والدعوة إلى الخير، مع أمن التضرر والتأثر بهم والانجرار إلى المعاصي بسببهم، فهذا مما يندب وقد يجب بحسب طمع العبد في هداهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة.) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.) متفق عليه. ومخالطة الناس مع الصبر على أذاهم من أجل وعظهم والسعي في هدايتهم ودعوتهم للخير من أجل الطاعات وأعظم القربات، ولا ينبغي للمسلم أن يبتعد عن الناس أو ينعزل عن إخوانه وأصدقائه بحجة فسادهم أو انشغاله بالعبادة، فالدعوة إلى الله تعالى والإصلاح من أعظم العبادات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء. (رواه مسلم، وفي رواية للترمذي): الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي. (وقال صلى الله عليه وسلم): المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز (رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم): المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. (رواه أصحاب السنن.