وكلما ظهر الكافر ميله إلى الحق وظهرت رغبته فيه كلما خفَت حدَة الهجر والاعتزال بحقه وكان للوصل مبرراته ومسوغاته الشرعية.
القسم الثاني: أهل البدع الداعون لبدعتهم سواءً كان مسلماً أو كان كافراً:
فهؤلاء يتعين ويجب هجرهم إيجابياً واعتزالهم والإنكار عليهم والتحذير منهم ولو كان المبتدع متأولاً معذوراً عند الله.
القسم الثالث: أهل البدع المسلمون العوام المقلدة الغير دعاة إلى بدعهم:
فهؤلاء لا يجوز هجرهم إيجابياً إلا لمصلحة راجحة , وعليه فيجب التلطف معهم وكشف الشبهات عنهم ومناصحتهم بالتي هي أحسن , فإذا أقيمت عليهم الحجة ولم يمتثلوا فيُلحقون بأهل المعاصي والذنوب من المسلمين.
القسم الرابع: الظالمين المجاهرين من ذوي الذنوب والمعاصي والكبائر التي دون الكفر:
فهؤلاء يتعين ويجب هجر صداقتهم وقائياً إلا أن هجر صداقتهم يكون دون هجر حسن التعامل معهم والتلطف لهم إلى حد ما , وذلك لوجود عقد الإسلام الذي يوجب الموالاة والوصل إلا أنه يجب التباعد عنهم حال تلبسهم بالمعاصي والذنوب , وأما هجرهم إيجابياً فيجوز إذا اقتضت المصلحة ذلك بل يجب أحياناً.
وعلى هذا يتبين لك أن إظهار البغض والهجر الإيجابي للفساق الراجح شرهم على خيرهم ليست له قاعدة مطردة بل الأمر يختلف باختلاف الأشخاص الواقعين في المعصية، وباختلاف المعاصي، وباختلاف الأشخاص المظهرين للبغض والهجر كذلك.
فهذه المسألة شبيهة بمسألة المريض والمرض والطبيب فالمرض شيء موجود، ولكن لكل مرض علاج وعلاج المرض الواحد يختلف باختلاف المرضى، وباختلاف الأطباء فتكون المسألة مسألة اجتهادية في حدود السياسة الشرعية، ولكن إذا اقتضى الأمر إظهار البغض والهجر الإيجابي فإن إظهاره تارة يكون بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما جميعًا.
فأما إظهار البغض بالقول فيكون بكف اللسان عن مكالمته ومحادثته مدة، أو بالاستخفاف به والتغليظ له في القول تارة أخرى، وأما إظهار البغض بالفعل، فبقطع السعي في إعانته مرة، وبالسعي في إساءته وإفساد مآربه مرة أخرى، وإظهار العداوة والبغض والهجر الإيجابي فيما تقدم إنما يكون مع الأشخاص الذين أظهروا المعصية ولم يندموا عليها, أما من أظهر الندامة، وأقلع عن المعصية فالأولى أن نصفح عنه ونستره، ولا نُظهر له العداوة ولا نهجره تعزيرا.
القسم الرابع: الظالمين المستترين من ذوي الذنوب والمعاصي التي دون الكفر:
فهؤلاء لا يجوز هجرهم إلا لمصلحة راجحة على صلتهم.
وهنا أكثر من تنبيه على ما تقدم الأول هو أن الهجر الإيجابي لا يُشرع إذا كان الهاجر بحاجة المهجور في المهجور به كهجر الزوج لزوجته إذا كان بحاجة إلى جماعها مثلاً ووجد حرج من ذلك.
والتنبيه الثاني هو أن الاحترام المتبادل والمعاملة الظاهرة بالبيع والشراء ونحوه لمن يجب هجره وقائياً لا يدخل في المحظور وإنما المحظور هو المكالمة بالموادة