قيل تجب صلة الرحم في جميع الأحوال ولو كان ذو الرحم المسلم فاسقاً وأن الصلة لا تتعلَّق بصلاح صاحِب الرَّحِم وفسقِه فلا يجوز قطعها لمجرد فسقه واستثنوا جواز هجره إذا ترتب عليه مصلحة , وهذا القول ضعيف , وقيل يجب هجر الرحم الفاجرة وهذا أيضاً ضعيف , إلا أن الصحيح في هذه المسألة هو أن صلة القريب الفاجر مستحبة من حيث العموم والأصل لا واجبة ولا محرمة , وأدلة استحباب صلة القريب الفاجر متضمنة لجواز صلته من باب أولى , والذي يدل على استحبابها ما يلي:
عموم قوله تعالى (وأحسنوا إن الله يُحب المحسنين) , ومن جملة الإحسان صلتهم والبر بهم.
وعن عبدالله بن عمرو: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ليس الواصِل بالمكافِئ، ولكن الواصل الَّذي إذا قُطِعَتْ رحِمه وصلها))؛ رواه البخاري.
فأخبر النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أنَّ الواصل الحقيقيَّ هو الَّذي يصل مَن يقطعه من أقاربه، والقاطع فاسق بقطْعِه رحِمَه، ومع ذلك أمر النَّبيُّ بصلتِه ولَم يجعل فِسْقَه بقطع الرَّحِم مانعًا من صلته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم , ولا شك أن من يقطعون من يصلهم ومن يسيئون على من يُحسن إليهم ومن يجهلون على من يحلم عنهم عندهم من الفسوق ما الله به عليم, ومع ذلك نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُرشد هذا الصحابي الكريم إلى مقاطعتهم بل شجعه على ما هو عليه وهذا إن دل فإنه يدل على استحباب صلتهم والإحسان إليهم.
ولتعلم أخي القارىء أن أهل العلم المحققين يُفرقون بين الرحم الفاجرة التي لا تزال في دائرة الإسلام والرحم الكافرة فالأولى يتساهلون فيها وفي مواصلتها والثانية يقيدونها ببعض القيود, قال ابن حجر بعدما تكلم عن صلة الرحم الكافرة وضوابطها: "وأمّا من كان على الدين ولكنه مقصّر في الأعمال ـ مثلاً ـ فلا يشارك الكافر في ذلك"، أي: في القيد المذكور في صلة القريب الكافر.
وإليك أخيراً بعض أقو ال السلف في هذه المسألة ليطمئن قلبك:
قال ميمون بن مهران: "ثلاث تؤدَّى إلى البر والفاجر: الرحم توصَل برّةً كانت أو فاجرة، والأمانة تؤدَّى إلى البر والفاجر، والعهد يوفَّى للبر والفاجر".
قال الفضل للإمام أحمد: رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب، ترى أن يزورهم؟ قال: "نعم، ويزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا وإلا لم يقم معهم، ولا يدع زيارتهم".
أما دليل عدم وجوب صلة القريب الفاجر فهي كثيرة وجمهور أهل العلم قرروا أن جفاء المُقيم على معصية لا إثم فيه وأن القرابة لا تمنع من الهجران المشروع , وأن الهجر إذا تم على وجهه الشرعي لا يُعد قطيعة بل قال الحافظ أبو عمر بن عبد