والمراد لن يغلب لقلة العدد، وإن كان قد يغلب لأمر آخر، كالعجب بكثرة العدد، كما حصل للمسلمين في حنين (?) .
ونوقش بأن المراد لا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة بالنسبة لزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاثنا عشر ألفا في ذلك الزمن يعتبرون في حد الكثرة، ولذلك ضمن له النصر إذا صحت النيات (?) .
وذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز الفرار مطلقا ولو كثر العدو إلا أن يكون متحيزا إلى جماعة المسلمين أو ينوى الكر إلى القتال (?) .
واستدل بظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16] .
ويمكن مناقشة ما أطلقه ابن حزم، بأن ذلك مقيد بما استدل به الجمهور من كون فرض المجاهد أن يصابر مثليه من العدو، فإن زادوا عن الضعف وظن الهلاك فله الفرار.
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح قول عامة الفقهاء أنه يجوز الفرار من الزحف إذا كان العدو أكثر من مثلي المجاهدين سواء كان عدد المجاهدين اثنا عشر ألفا أو أكثر أو أقل إذا غلب على ظنهم إن ثبتوا الهلاك دون تأثير في العدو، وكان ذلك في جهاد الطلب، وإن ثبتوا جاز لهم ذلك لنيل الشهادة في سبيل الله مقبلين غير مدبرين، ولربما انتصروا، قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] . والله أعلم.