وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ فِي مُعْتَكَفِهِ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَمَّا أَرَادَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَذَلِكَ سُنَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَرَادَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ، أَنَّ عَلَيْهِ اعْتِكَافَ لَيَالِيهَا مَعَهَا، وَأَنَّهُ يَبْتَدِئُ فِي دُخُولِهِ فِي مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا، فَلا يَزَالُ فِيهِ حَتَّى تَمْضِيَ الأَيَّامُ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَهَا وَحَتَّى تَمْضِيَ لَيَالِيهَا

فقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِثْلِ هَذَا فِي رَجُلٍ قَالَ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا، فَيُقِيمُ فِيهِ مُعْتَكِفًا إِلَى انْقِضَاءِ تِلْكَ الْعَشَرَةِ الأَيَّامِ، فَيَكُونُ قَدِ اعْتَكَفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الَّذِي يَعْتَكِفُ فِيهِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَيُقِيمُ فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامُ، فَيَكُونُ قَدِ اعْتَكَفَ عشرَة أَيَّام وتسع لَيَال، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ زفر بن الْهُذيْل، فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ يَحْيَى، عَنِ الْحسن، عَنْ زفر قَالَ أَحْمد: وكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد فِي ذَلِكَ أحب إِلَيْنَا، لِأَنَّهُ مُوَافق لمَا روينَاهُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، وَلِأَنَّهُ قَدْ دلنا عَلَيْهِ كتاب الله عزّ وجلّ فِي الْحِكَايَة عَنْ نبيه زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام، إِذْ قَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} وقَالَ: فِي مَوضِع آخر: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} فعقلنا بِذَلِكَ أَن زَكَرِيَّا سَأَلَ ربه أَن يَجْعَل لَهُ آيَة فَجعل لَهُ آيَة، وَاحِدَة كمَا سَأَلَهُ، ثُمَّ ذكرهَا لنا فِي كِتَابه فِي مَوضِع بِالْأَيَّامِ، وفِي مَوضِع آخر

بالليالي، وَسَوَّى بَيْنَ عدد الْأَيَّام وَعدد اللَّيَالِي فعقلنا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِن كَانَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأمورا بِالْأَيَّامِ، فقَدْ دخلت فِيهَا اللَّيَالِي، وَإِن كَانَ مَأمورا بالليالي فقَدْ دخلت فِيهَا الْأَيَّام، ولمَّا اسْتَوَى عدد الْأَيَّام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015