إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} فَكَيْفَ يَكُونُ إبْرَاهِيمُ مَنْسُوبًا إلَى مِلَّةٍ حَادِثَةٍ بَعْدَهُ؟!.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَنِيفًا مُسْلِمًا; لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بَعْدَهُ. قِيلَ لَهُ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْحَنِيفِ الدِّينَ الْمُسْتَقِيمَ; لِأَنَّ الْحَنَفَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ وَالْإِسْلَامُ هَهُنَا هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ, وَكُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِذَلِكَ فَقَدْ عَلِمْنَا بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ إبْرَاهِيمُ وَمَنْ قَبْلَهُ قَدْ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ, فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُسَمَّى إبْرَاهِيمُ حَنِيفًا مُسْلِمًا, وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بَعْدَهُ. لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ, بَلْ يَصِحُّ صِفَةُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ, وَالْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّة صِفَةٌ حَادِثَةٌ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةٍ حَرَّفَهَا مُنْتَحِلُوهَا مِنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ, فَغَيْرُ جَائِزٍ أن ينسب إليها من كان قبلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015