الْبِشَارَةُ هِيَ خَبَرٌ عَلَى وَصْفٍ, وَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِمَا يُسِرُّ لِظُهُورِ السُّرُورِ فِي بَشَرَةِ وَجْهِهِ; إذْ بُشِّرَ, وَالْبَشَرَةُ هِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ فَأَضَافَتْ الْمَلَائِكَةُ الْبِشَارَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ اللَّهُ هُوَ مُبَشِّرُهَا, وَإِنْ كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ خَاطَبُوهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ: "إنْ بَشَّرْت فُلَانًا بِقُدُومِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حَرٌّ" فَقَدِمَ, وَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا يُخْبِرُهُ بِقُدُومِهِ, فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: " إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدْ قَدِمَ فُلَانٌ" أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ; لِأَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُبَشِّرُ دُونَ الرَّسُولِ. وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَضَمُّنِ الْبِشَارَةِ إحْدَاثُ السُّرُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّ الْمُبَشِّرَ هُوَ الْمُخْبِرُ الْأَوَّلُ, وَإِنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ بِمُبَشِّرٍ; لِأَنَّهُ لَا يَحْدُثُ بِخَبَرِهِ سُرُورٌ وَقَدْ تُطْلَقُ الْبِشَارَةُ وَيُرَادُ بِهَا الْخَبَرُ فَحَسْبُ, كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] .

قَوْله تعالى: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} قَدْ قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَلَمَّا كَانَ خَلْقُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْكَلِمَةِ مَجَازًا كَمَا قَالَ: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: من الآية171] . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا بَشَّرَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمَ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي بِهِ كَمَا يَهْدِي بِكَلِمَتِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015