قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فَحَظَرَ عَلَى الزَّوْجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا أَعْطَاهَا إلَّا عَلَى الشَّرِيطَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعُقِلَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَخْذُ مَا لَمْ يُعْطِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ هُوَ مَا أَعْطَاهَا، كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] قَدْ دَلَّ عَلَى حَظْرِ مَا فَوْقَهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ. وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} قَالَ طَاوُسٌ: يَعْنِي فِيمَا افْتَرَضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إلَّا أَنْ يَخَافَا مَعْنَاهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّا. وَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ، أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
إذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تَرْوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا
وَلَا تَدْفِنَنِّي بِالْعَرَاءِ فَإِنَّنِي أَخَافُ ... إذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا
وَقَالَ آخَرُ:
أَتَانِي كَلَامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُ ... وَمَا خِفْت يَا سَلَّامُ أَنَّك عَائِبِي
يَعْنِي: مَا ظَنَنْت.
وَهَذَا الْخَوْفُ مِنْ تَرْكِ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يكون أحدهما سيئ