لَذَكَرْت مِنْهَا مَا يُوقِفُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخَارِيقِهِ وَمَخَارِيقِ أَمْثَالِهِ.

وَضَرَرُ أَصْحَابِ الْعَزَائِمِ وَفِتْنَتِهِمْ عَلَى النَّاسِ غَيْرُ يَسِيرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَى النَّاسِ مِنْ بَابِ أَنَّ الْجِنَّ إنَّمَا تُطِيعُهُمْ بِالرُّقَى الَّتِي هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ يُجِيبُونَ بِذَلِكَ مَنْ شَاءُوا وَيُخْرِجُونَ الْجِنَّ لِمَنْ شَاءُوا فَتُصَدِّقُهُمْ الْعَامَّةُ عَلَى اغْتِرَارٍ بِمَا يُظْهِرُونَ مِنْ انْقِيَادِ الْجِنِّ لَهُمْ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي كَانَتْ تُطِيعُ بِهَا سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُمْ يُخْبِرُونَهُمْ بِالْخَبَايَا وَبِالسُّرُقِ وَقَدْ كَانَ الْمُعْتَضِدُ بِاَللَّهِ مَعَ جَلَالَتِهِ وَشَهَامَتِهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ اغْتَرَّ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَظْهَرُ فِي دَارِهِ الَّتِي كَانَ يَخْلُو فِيهَا بِنِسَائِهِ وَأَهْلِهِ شَخْصٌ فِي يَدِهِ سَيْفٌ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَكْثَرُهُ وَقْتُ الظُّهْرِ، فَإِذَا طُلِبَ لَمْ يُوجَدْ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى أَثَرٍ مَعَ كَثْرَةِ التَّفْتِيشِ وَقَدْ رَآهُ هُوَ بِعَيْنِهِ مِرَارًا، فَأَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ وَدَعَا بِالْمُعَزِّمِينَ فَحَضَرُوا وَأَحْضَرُوا مَعَهُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً وَزَعَمُوا أَنَّ فِيهِمْ مَجَانِينَ وَأَصِحَّاءَ، فَأَمَرَ بَعْضَ رُؤَسَائِهِمْ بِالْعَزِيمَةِ، فَعَزَّمَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ صَحِيحًا فَجُنَّ وَتَخَبَّطَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ. وَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ هَذَا غَايَةُ الْحِذْقِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ; إذْ أَطَاعَتْهُ الْجِنُّ فِي تَخْبِيطِ الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَزِّمِ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْهُ لِذَلِكَ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى عَزَّمَ عَلَيْهِ جَنَّنَ نَفْسَهُ وَخَبَّطَ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَضِدِ، فَقَامَتْ نَفْسُهُ مِنْهُ وَكَرِهَهُ، إلَّا أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ أَمْرِ الشَّخْصِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي دَارِهِ، فَخَرَقُوا عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ عَلَّقُوا قَلْبَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلٍ لِشَيْءِ مِنْ أَمْرِ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ وَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِم ثُمَّ تَحَرَّزَ الْمُعْتَضِدُ بِغَايَةِ مَا أَمْكَنَهُ وَأَمَرَ بِالِاسْتِيثَاقِ مِنْ سُورِ الدَّارِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ حِيلَةٌ مِنْ تَسَلُّقٍ وَنَحْوِهِ، وَبَطَحَتْ فِي أَعْلَى السُّورِ خَوَابِي لِئَلَّا يَحْتَالَ بِإِلْقَاءِ الْمَعَالِيقِ الَّتِي يَحْتَالُ بِهَا اللُّصُوصُ; ثُمَّ لَمْ يُوقَفْ لِذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَى خَبَرٍ إلَّا ظُهُورُهُ لَهُ الْوَقْتَ بَعْدَ الْوَقْتَ، إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ.

وَهَذِهِ الْخَوَابِي الْمَبْطُوحَةُ عَلَى السُّورِ وَقَدْ رَأَيْتهَا عَلَى سُوَرِ الثُّرَيَّا الَّتِي بَنَاهَا الْمُعْتَضِدُ فَسَأَلْت صَدِيقًا لِي كَانَ قَدْ حَجَبَ لِلْمُقْتَدِرِ بِاَللَّهِ عَنْ أَمْرِ هَذَا الشَّخْصِ، وَهَلْ تَبَيَّنَ أَمْرُهُ؟ فَذَكَرَ لِي أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَقِيقَةِ هَذَا الْأَمْرِ إلَّا فِي أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ كَانَ خَادِمًا أَبْيَضَ يُسَمَّى يَقِقْ، وَكَانَ يَمِيلُ إلَى بَعْضِ الْجَوَارِي اللَّاتِي فِي دَاخِلِ دُورِ الْحَرَمِ، وَكَانَ قَدْ اتَّخَذَ لِحًى عَلَى أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَانَ إذَا لَبِسَ بَعْضَ تِلْكَ اللِّحَى لَا يَشُكُّ مَنْ رَآهُ أَنَّهَا لِحْيَتُهُ، وَكَانَ يَلْبَسُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ لِحْيَةً مِنْهَا وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَفِي يَدِهِ سَيْف أَوْ غَيْرُهُ مِنْ السِّلَاحِ حَيْثُ يَقَعُ نَظَرُ الْمُعْتَضِدِ. فَإِذَا طُلِبَ دَخَلَ بَيْنَ الشَّجَرِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ أَوْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَمَرَّاتِ أَوْ الْعَطَفَاتِ، فَإِذَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِ طَالِبِيهِ نَزَعَ اللِّحْيَةَ وَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ حَوْزَتِهِ وَيَبْقَى السِّلَاحُ مَعَهُ كَأَنَّهُ بَعْضُ الْخَدَمِ الطَّالِبِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015