فَيُسَمُّونَهُ الْحَامِيَ". وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْبُحَيْرَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تُشَقُّ أُذُنُهَا, يُقَالُ: بَحَرْت أُذُنَ النَّاقَةِ أَبَحَرُهَا بَحْرًا, وَالنَّاقَةُ مَبْحُورَةٌ وَبُحَيْرَةٌ, إذَا شَقَقْتهَا وَاسِعًا; وَمِنْهُ الْبَحْرُ لَسَعَتِهِ; قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ الْبُحَيْرَةَ, وَهِيَ أَنْ تُنْتَجَ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ يَكُونُ آخِرُهَا ذَكَرًا بَحَرُوا أُذُنَهَا وَحَرَّمُوهَا وَامْتَنَعُوا مِنْ رُكُوبِهَا وَنَحْرِهَا وَلَمْ تُطْرَدْ عَنْ مَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعْ عَنْ مَرْعًى, وَإِذَا لَقِيَهَا الْمَعْيِيُّ لَمْ يَرْكَبْهَا; قَالَ: وَالسَّائِبَةُ الْمِخْلَاةُ وَهِيَ الْمُسَيِّبَةُ, وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا نَذَرَ الرَّجُلُ لِقُدُومٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ بُرْءٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ: "نَاقَتِي سَائِبَةٌ" فَكَانَتْ كَالْبُحَيْرَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ, وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فَقَالَ: "هُوَ سَائِبَةٌ" لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْلٌ وَلَا وَلَاءٌ وَلَا مِيرَاثٌ. فَأَمَّا الْوَصِيلَةُ فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَكَرَ أَنَّهَا الْأُنْثَى مِنْ الْغَنَمِ إذَا وَلَدَتْ مَعَ ذَكَرٍ قَالُوا: "وَصَلَتْ أَخَاهَا" فَلَمْ يَذْبَحُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ الشَّاةُ إذَا وَلَدَتْ أُنْثَى فَهِيَ لَهُمْ, وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ لَآلِهَتِهِمْ فِي زَعْمِهِمْ, وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا: "وَصَلَتْ أَخَاهَا" فَلَمْ يَذْبَحُوهُ لَآلِهَتِهِمْ; وَقَالُوا: الْحَامِي الْفَحْلُ مِنْ الْإِبِلِ إذَا نَتَجَتْ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ قَالُوا: "حَمَى ظُهْرَهُ" فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى.
وَإِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَا اعْتَقَدَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْبُحَيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ عِتْقِ السَّائِبَةِ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةٌ فَلَا وَلَاءَ لَهُ مِنْهُ وَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَلا سَائِبَةٍ} وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُبَيِّنُهُ.