وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الْمُغَفَّلِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ رَوَيْنَا عَنْهُمْ الْإِخْفَاءَ دُونَ الْجَهْرِ، وَلَكَانَ هَؤُلَاءِ أَوْلَى بِعِلْمِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى". وَكَانَ هَؤُلَاءِ أَقْرَبَ إلَيْهِ فِي حَالَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَوْمِ الْمَجْهُولِينَ الَّذِينَ ذَكَرْت، وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِفَاضَةٍ لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرْت مِنْ قَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إنَّمَا رَوَيْته مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْجَهْرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَنَحْنُ أَيْضًا نُنْكِرُ تَرْكَ قِرَاءَتِهَا، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ أَيُّهُمَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ وَالْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا قَوْلُهُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : الْأَمْرُ بِاسْتِفْتَاحِ الْأُمُورِ لِلتَّبَرُّكِ بِذَلِكَ، وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَذِكْرُهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ شِعَارٌ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ وَطَرْدِ الشَّيْطَانِ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا سَمَّى اللَّهَ الْعَبْدُ عَلَى طَعَامِهِ لَمْ يَنَلْ مِنْهُ الشَّيْطَانُ مَعَهُ وَإِذَا لَمْ يُسَمِّهِ نَالَ مِنْهُ مَعَهُ"، وَفِيهِ إظْهَارُ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَفْتَتِحُونَ أُمُورَهُمْ بِذِكْرِ الْأَصْنَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَهُوَ مَفْزَعٌ لِلْخَائِفِ، وَدَلَالَةٌ مِنْ قَائِلِهِ عَلَى انْقِطَاعِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلُجُوئِهِ إلَيْهِ، وَأُنْسٌ لِلسَّامِعِ، وَإِقْرَارٌ بِالْأُلُوهِيَّةِ، وَاعْتِرَافٌ بِالنِّعْمَةِ، وَاسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَعِيَاذَةٌ بِهِ، وَفِيهِ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَخْصُوصَةِ بِهِ لَا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ، وَهُمَا اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ.