غَيْرِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] ، وَقَالَ: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الإسراء: 66] . وقوله: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} قَدْ انْتَظَمَ التِّجَارَةَ وَغَيْرَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إبَاحَةُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنَعَ الْغَزْوَ فِي الْبَحْرِ إشْفَاقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَرْكَبُ أَحَدٌ الْبَحْرَ إلَّا غَازِيًا أَوْ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَشُورَةِ وَالْإِشْفَاقِ عَلَى رَاكِبِهِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُطَرَّفٍ، عَنْ بِشْرِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا" 1 وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِئَلَّا يُغَرِّرَ بِنَفْسِهِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ; إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ; لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ غَرَقًا كَانَ شَهِيدًا.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامِ بِنْتُ مِلْحَانِ أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عِنْدَهُمْ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَضْحَكَك؟ قَالَ: "رَأَيْت قَوْمًا مِمَّنْ يَرْكَبُ 2 ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ" قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: "فَإِنَّك مِنْهُمْ" قَالَتْ: ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَضْحَكَك؟ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: "أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ". قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَغَزَا فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو داود وحدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم