[سورة النساء (4) : آية 36]

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْحَكَمِ الَّذِي مِنْ قبله ماله مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْخُلْعِ كَانَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا وَكِيلَيْنِ جَائِزٌ لَهُمَا أَنْ يَخْلَعَا إنْ رَأَيَا وَأَنْ يَجْمَعَا إنْ رَأَيَا ذَلِكَ صَلَاحًا فَهُمَا فِي حَالٍ شَاهِدَانِ وَفِي حَالٍ مُصْلِحَانِ وَفِي حَالٍ آمِرَانِ بِمَعْرُوفٍ وَنَاهِيَانِ عَنْ مُنْكَرٍ وَوَكِيلَانِ فِي حَالٍ إذَا فُوِّضَ إلَيْهِمَا الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُمَا يُفَرِّقَانِ وَيَخْلَعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

بَابُ الْخُلْعِ دُونَ السُّلْطَانِ

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْخُلْعُ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا عِنْدَ السلطان والذي يدل جَوَازِهِ عِنْدَ غَيْرِ سُلْطَانٍ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً اقتضى ظاهره جواز أخذه ذلك منهما عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ تَعَالَى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَكَمَا جَازَ عَقْدُ النِّكَاحِ وَسَائِرُ الْعُقُودِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إذْ لَا اخْتِصَاصَ فِي الْأُصُولِ لِهَذِهِ الْعُقُودِ بِكَوْنِهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ والله تعالى أعلم.

بَابُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً فَقَرَنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إلْزَامَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَأَمَرَ بِهِ كَمَا أَمَرَ بِهِمَا كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَكَفَى بِذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّهِمَا وَوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَقَالَ تَعَالَى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَقَالَ تَعَالَى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَقَالَ فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ إلَّا كَانَتْ وَكْتَةً فِي قَلْبِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015