فِيهِ وَنَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ وَكَانَ مِمَّنْ
رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي وُجُوهِ النَّسْخِ وَمَا يَجُوزُ فِيهِ وَمَا لَا يَجُوزُ بِمَا يُغْنِي وَيَكْفِي وأما [أَوْ نُنْسِها] قيل إنه من النسيان وننسأها مِنْ التَّأْخِيرِ يُقَالُ نَسَأَت الشَّيْءَ أَخَّرْته وَالنَّسِيئَةُ الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى [إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ] يَعْنِي تَأْخِيرَ الشُّهُورِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ النِّسْيَانُ فَإِنَّمَا هُوَ أَنْ يُنْسِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى التِّلَاوَةَ حَتَّى لَا يَقْرَءُوا ذَلِكَ وَيَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُؤْمَرُوا بِتَرْكِ تِلَاوَتِهِ فَيُنْسَوْهُ عَلَى الْأَيَّامِ وَجَائِزٌ أَنْ يَنْسَوْهُ دَفْعَةً وَيَرْفَعَ من أوهامهم ويكون ذلك معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلم وَأَمَّا مَعْنَى قِرَاءَةِ أَوْ نَنْسَأْهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِأَنْ يُؤَخِّرَهَا فَلَا يُنَزِّلُهَا وَيُنَزِّلُ بَدَلًا مِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْمُصْلِحَةِ أَوْ يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخِّرَ إنْزَالَهَا إلَى وَقْتٍ يَأْتِي فَيَأْتِي بَدَلًا مِنْهَا لَوْ أَنْزَلَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَقُومَ مَقَامَهَا فِي الْمُصْلِحَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ [نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها] فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ بِخَيْرٍ مِنْهَا لَكُمْ فِي التَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ كَالْأَمْرِ بِأَنْ لَا يُوَلَّى وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ فِي الْقِتَالِ ثم قال [الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ] أو مثلها كالأمر بالتوجه إلى الكعبة بعد ما كان إلى البيت الْمَقْدِسِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ فِي كَثْرَةِ الصَّلَاحِ أَوْ مِثْلِهَا فَحَصَلَ مِنْ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّ الْمُرَادَ خَيْرٌ لَكُمْ إمَّا فِي التَّخْفِيفِ أَوْ فِي الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَيْرٌ مِنْهَا فِي التِّلَاوَةِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضٍ فِي مَعْنَى التِّلَاوَة وَالنَّظْمِ إذْ جَمِيعُهُ مُعْجِزٌ كَلَامُ اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسَّنَةِ لِأَنَّ السَّنَةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ لَا تَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا إغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي التِّلَاوَةِ وَالنَّظْمِ لِاسْتِوَاءِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي إعْجَازِ النَّظْمِ وَالْآخِرُ اتِّفَاقُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّظْمَ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ إمَّا التَّخْفِيفُ أَوْ الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ أَرَادَ التِّلَاوَةَ فَدَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِهِ بِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ إنَّمَا تَقْتَضِي نَسْخَ التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ لِلْحُكْمِ فِي الآية لأنه ذكر قال تعالى [ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ] وَالْآيَةُ إنَّمَا هِيَ اسْمٌ لِلتِّلَاوَةِ وَلَيْسَ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْحُكْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا نَنْسَخْ مِنْ تِلَاوَةِ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا لَكُمْ مِنْ مُحْكَمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرِهَا وَقَدْ