[سورة آل عمران (3) : آية 65]

الْكَلِمَةُ الَّتِي تَشْهَدُ الْعُقُولُ بِصِحَّتِهَا إذْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَبِيدَ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْعِبَادَةَ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ طَاعَةُ غَيْرِهِ إلَّا فِيمَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى فِي طَاعَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْهَا مَعْرُوفًا وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ لِئَلَّا يَتَرَخَّصَ أَحَدٌ فِي إلْزَامِ غَيْرِهِ طَاعَةَ نفسه إلا بأمر الله تعالى كما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايِعَاتِ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ فَشَرَطَ عَلَيْهِنَّ تَرْكَ عِصْيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَأْمُرُهُنَّ بِهِ تَأْكِيدًا لِئَلَّا يُلْزِمَ أَحَدًا طَاعَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ لَا يَتْبَعْهُ فِي تَحْلِيلِ شَيْءٍ وَلَا تَحْرِيمِهِ إلَّا فِيمَا حَلَّلَهُ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عطيف بْنِ أَعْيَنَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ عَنْك ثُمَّ قَرَأَ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ قلت يا رسول مَا كُنَّا نَعْبُدُهُمْ قَالَ أَلَيْسَ كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَيُحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فَيُحَرِّمُونَهُ قَالَ فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ

وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ اتخذوا أَرْبَابًا لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ رَبِّهِمْ وَخَالِقِهِمْ فِي قَبُولِ تَحْرِيمِهِمْ وَتَحْلِيلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَلَمْ يُحَلِّلْهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُطَاعَ بِمِثْلِهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي لُزُومِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرَهُ وَتَوْجِيهِ الْعِبَادَةِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ

قَوْله تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ إلى قوله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ أَنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَازَعُوا فِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَتْ الْيَهُودُ مَا كَانَ إلَّا يَهُودِيًّا وَقَالَتْ النَّصَارَى مَا كَانَ إلَّا نَصْرَانِيًّا فَأَبْطَلَ اللَّهُ دَعْوَاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَالْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّة حَادِثَتَانِ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ فَكَيْفَ يَكُونُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ سُمُّوا بذلك لأنهم من ولد يهودا وَالنَّصَارَى سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ مِنْ نَاصِرَةَ قرية بالشام ومع ذلك فإن اليهودية مِلَّةٌ مُحَرَّفَةٌ عَنْ مِلَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّصْرَانِيَّة مِلَّةٌ مُحَرَّفَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015